١٦ ـ بصيرة فى التذكر والتفكر
التّذكر : تفعّل من الذّكر. والذكر : هيئة للنّفس ، بها يمكن للإنسان (١) أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة. والفكرة : قوّة مطرّقة (٢) للعلم إلى المعلوم. والتفكّر غيره ؛ فإنّ تلك القوّة بحسب نظر العقل ، وذلك للإنسان دون الحيوان. ولا يقال إلّا فيما يمكن أن يحصل له صورة فى القلب. ولهذا روى (تفكّروا (٣) فى آلاء الله ، ولا تفكّروا فى ذات الله). إذ كان الله منزّها أن يوصف بصورة. قال ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ (٤) يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) ، (أَوَلَمْ (٥) يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
ثمّ اعلم أنّ التذكّر قرين الإنابة. قال ـ تعالى ـ : (وَما يَذَّكَّرُ (٦) إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).
والتّذكّر والتفكّر منزلان يثمران أنواع المعارف ، وحقائق الإيمان والإحسان. فالعارف لا يزال يعود تفكّره على تذكّره ، وتذكّره على تفكّره ، حتى يفتح قفل قلبه بإذن الفتّاح العليم. قال الحسن البصرىّ : ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكّر ، وبالتّفكّر على التّذكّر ، ويناطقون القلوب (٧)
__________________
(١) فى الراغب «الانسان» وهو أفصح
(٢) أى جاعلة العلم طريقا الى المعلوم ، من قوله : طرق للابل : جعل لها طريقا
(٣) جاء الحديث فى الجامع الصغير
(٤) الآية ٨ سورة الروم
(٥) الآية ١٨٥ سورة الأعراف
(٦) الآية ٢٦٩ سورة البقرة ، والآية ٧ سورة آل عمران.
(٧) ا ، ب : «القلب» وفى الاحياء فى باب الفكر ، «حتى استنطقوا قلوبهم»