١٧ ـ بصيرة فى التبتل
قال تعالى : (وَاذْكُرِ اسْمَ (١ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)
والتبتّل : الانقطاع. وهو تفعّل من البتل وهو القطع. وسمّيت مريم البتول لانقطاعها عن الأزواج وعن نظراء زمانها ، ففاقت نساء عالمها شرفا وفضلا. (تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) كالتعلّم والتفهّم ، ولكن جاء على التّفعيل مصدر بتّل تبتيلا لسرّ لطيف ؛ فإنّ فى هذا الفعل إيذانا بالتدريج ، وفى التفعيل إيذان بالتكثير والمبالغة ، فأتى بالفعل الدّال على أحدهما ، والمصدر الدّالّ على الآخر ، كأنّه قيل : بتّل نفسك إليه تبتيلا ، وتبتّل أنت إليه تبتّلا ، ففهم المعنيان من الفعل ومصدره. وهذا كثير فى القرآن ، وهو من أحسن الاختصار والإيجاز. فالتّبتّل : الانقطاع إلى الله فى العبادة وإخلاص النيّة انقطاعا يختصّ به. وإلى هذا المعنى أشار تعالى (قُلِ (٢) اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) وليس هذا منافيا لما صحّ عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم «لا رهبانيّة (٣) ولا تبتّل فى الإسلام» فإنّ التّبتل هاهنا هو الانقطاع عن النكاح ، والرّغبة عنه محظور (٤).
والتّبتّل يجمع أمرين : اتّصالا وانفصالا لا يصحّ إلّا بهما ، فالانفصال انقطاع قلبه عن حظوظ النّفس المزاحمة لمراد الربّ منه ، وعن التفات قلبه
__________________
(١) الآية ٨ سورة المزمل
(٢) الآية ٩١ سورة الأنعام
(٣) هو بعض حديث رواه عبد الرزاق عن طاوس مرسلا ، كما فى الجامع الصغير.
(٤) أى أمر محظور. والا قال : محظورة.