وقوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً)(١) انتصابه على التمييز (٢) ومعناه : اعملوا ما تعملونه شكرا لله. وقيل : (شُكْراً) مفعول لقوله : (اعْمَلُوا). ولم يقل : اشكروا لينبّه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح. وقوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٣) فيه تنبيه أنّ توفية شكر الله صعب. ولذلك لم يثن بالشكر من (٤) أوليائه إلّا على اثنين ، قال فى وصف إبراهيم عليهالسلام : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ)(٥) ، وقال فى نوح عليهالسلام : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً)(٦).
وإذا وصف الله بالشكر فى قوله : (وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)(٧) فإنما يعنى به إنعامه على عباده ، وجزاؤه بما أقامه من العبادة.
واعلم أنّ الشكر أعلى منازل السّالكين ، وفوق منزلة الرّضا ، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة ، والرّضا مندرج فى الشكر ؛ إذ يستحيل وجود الشكر بدونه. وهو نصف (٨) الإيمان. وقد أمر الله به ، ونهى عن ضدّه ، وأثنى على أهله ، ووصف [به] خواصّ خلقه ، وجعله غاية خلقه وأمره ، ووعد أهله
__________________
(١) الآية ١٣ سورة سبأ.
(٢) هذا الوجه غير ظاهر فى الآية ، ولم أقف عليه لغيره ، وقد تبع فيه الراغب والذى ذكروه أنه مفعول لأجله ، أو مفعول به ، وقد ذكره المؤلف ، أو مفعول مطلق ، أو وصف لمصدر محذوف أى عملا شكرا على التأويل بالوصف ، أو حال أى شاكرين.
(٣) الآية ١٣ سورة سبأ.
(٤) كذا. والأولى : «على أحد من أوليائه».
(٥) الآية ١٢١ سورة النحل.
(٦) الآية ٣ سورة الاسراء.
(٧) الآية ١٧ سورة التغابن.
(٨) والنصف الآخر الصبر.