يصرف عنه من القصة المذكورة ـ بقوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) عناصر وأغذية وأخلاطا ونطفا وما يتعقّبها إلى ولوج الأرواح (فَأَحْياكُمْ) بنفخ الأرواح فيكم. عطف بالفاء لتعقّبه بالموت بلا تراخ والبواقي ب «ثمّ» للتراخي (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند حلول آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في القيامة ، أو في القبور للسّؤال (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بعد النّشور للجزاء وتبعثون من قبوركم إليه للحساب.
فواو «وكنتم» للحال. والحال : هي العلم بجملة القصّة ـ لا كلّ جملة منها ؛ لمضيّ بعضها واستقبال بعضها ، وكلاهما لا يصحّ حالا ـ. والمعنى : على أيّ حال تكفرون وأنتم عالمون بهذه القصة بأسرها؟ نزّل تمكّنهم من العلم بالإحياء الثاني ، والرجوع بالدلائل الموصلة اليه منزلة العلم.
ومن الدلائل : علمهم بالإحياء الأوّل ؛ إذ القادر عليه قادر على الثاني.
ووجه الإنكار لاجتماع الكفر مع هذه القصّة : اشتمالها على آيات بيّنات تصدفهم عن الكفر ، مع كونها نعما جساما ، حقّها الشّكر. وكون الإماتة نعمة ، لأنّها وصلة إلى الحياة الحقيقيّة. و «يعقوب» فتح تاء «ترجعون» أين جاء. (١)
[٢٩] ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) خلقه لانتفاعكم به في دنياكم بالتّمتّع منه بالمطاعم والملابس والمناكح وغيرها. وفي دينكم بالاستدلال به على الصّانع الحكيم والتّذكر لثواب الآخرة وعقابها لاشتماله على أسباب اللذّات والآلام. ويفيد إباحة الأشياء النّافعة ، وأنّه تعالى يفعل لغرض. والأرض داخلة في «ما في الأرض» إن أريد بها جهة السّفل ، كالسّماء لجهة العلوّ ، وإلا فلا. و «جميعا» حال عن «ما» (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) الإستواء : الاستقامة.
ثم قيل : استوى اليه كالسّهم المرسل : إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوى
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ١ / ٧٠.