الإقرار به ، ثمّ حاجّهم بتقسيم عقليّ فقال : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) لا يتعدّاه ضرره فلا حاجة الى قتله (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) فلا أقل أن يصيبكم بعضه وفيه هلاككم وهو انصاف ، ولذلك قدّم كونه كاذبا ، أو يصيبكم عذاب الدّنيا فإنّه بعض ما يعدهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) وقد هداه الله الى المعجزات فهو إذن ليس بمتعد حدّ العدل ، ولا كذّاب ، وفيه تعريض ب «فرعون» وقيل هو كلام مبتدأ من الله تعالى (١).
[٢٩] ـ (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ) غالبين (فِي الْأَرْضِ) أرض «مصر» (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) من عذابه أن قتلتموه (إِنْ جاءَنا) أدرج نفسه معهم للقرابة واظهار مشاركته لهم في نصحه (قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ) أشير عليكم (إِلَّا ما أَرى) إلا بما أراه لنفسي من قتله (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) الصواب.
[٣٠] ـ (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) مثل ايّامهم أي وقائعهم ، ولم يجمع «اليوم» اكتفاء بجمع «الأحزاب» والبيان بقوله :
[٣١] ـ (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) مثل جزاء عادتهم في الكفر من إهلاكهم (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) كقوم «لوط» (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) فضلا أن (٢) يظلمهم فهو أبلغ من (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣) وقيل : معناه لا يريد لهم أن يظلموا (٤) وهو أصرح في نفي قول المجبرة.
[٣٢] ـ (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) يوم القيامة ، ينادي فيه بعضهم بعضا بالويل والثبور ، أو يتنادى أهل الجنّة وأهل النّار ، أو ينادي كلّ ناس بإمامهم.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٢١.
(٢) في «ج» فضلا من أن.
(٣) سورة فصلت : ٤١ / ٤٦.
(٤) تفسير الكشّاف ٤ : ١٦٥.