ومعنى قول النبىّ صلىاللهعليهوسلم : إنهم النزّاع من القبائل : أن الله تعالى بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأهل الأرض على أديان مختلفة ، فهم بين عبّاد أوثان ، وعبّاد نيران ، وعبّاد صلبان ، ويهود ، وصابئة ، وفلاسفة ، وكان الإسلام فى أول ظهوره غريبا ، وكان من أسلم منهم واستجاب لدعوة الإسلام نزّاعا من القبائل آحادا منهم ، تفرّقوا عن قبائلهم وعشائرهم ، ودخلوا فى الإسلام ، فكانوا هم الغرباء حقا ، حتى ظهر الإسلام وانتشرت دعوته ، ودخل النّاس فيه أفوجا فزالت تلك الغربة عنهم ، ثم أخذ فى الاغتراب حتى عاد غريبا كما بدأ. بل الإسلام الحق الّذى كان [عليه] رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه اليوم أشدّ غربة منه فى أوّل ظهوره ، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة ، فالإسلام الحقيقىّ غريب جدّا ، وأهله غرباء بين النّاس.
وكيف لا يكون فرقة واحدة قليلة جدّا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورياسات ، ومناصب وولايات ، لا يقوم لها سوق إلّا بمخالفة ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم؟ وكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين اتّبعوا أهواءهم ، وأطاعوا شحّهم ، وأعجب كلّ منهم برأيه. ولهذا جعل له فى هذا الوقت إذا تمسّك بدينه أجر خمسين من الصّحابة ، ففى سنن أبى داود من حديث أبى ثعلبة الخشنىّ قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)(١) فقال : «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا ، وهوى متّبعا ، ودنيا مؤثرة،
__________________
(١) الآية ١٠٥ سورة المائدة