والثانى : أنّ المعرفة هى العلم الذى يراعيه صاحبه [ويعمل] بموجبه ومقتضاه. هو علم يتّصل به الرعاية.
والثالث : أن المعرفة شاهدة لنفسها وهى بمنزلة الأمور الوجدانيّة لا يمكن صاحبها أن يشكّ فيها ، ولا ينتقل عنها. وكشف المعرفة أتمّ من كشف العلم ، على أنّ مقام العلم أعلى وأجلّ ، لما ذكرنا فى بصيرة (عرف).
ومن أقسام العلم العلم اللّدنىّ. وهو ما يحصل للعبد بغير واسطة ، بل إلهام من الله تعالى ، كما حصل للخضر بغير واسطة موسى ، قال تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(١). وفرق / بين الرّحمة والعلم وجعلهما من عنده ومن لدنه إذ لم يكن نيلهما على يد بشر. وكان من لدنه أخصّ (٢) وأقرب ممّا عنده ، ولهذا قال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٣) فالسّلطان النّصير الذى من لدنه أخصّ من الذى من عنده وأقرب ، وهو نصره الذى أيّده به (والّذى (٤) من عنده) ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)(٥).
والعلم اللّدنّىّ ثمرة العبوديّة والمتابعة والصّدق مع الله والإخلاص له ، وبذل الجهد فى تلقّى العلم من مشكاة رسوله ومن كتابه وسنّة رسوله وكمال الانقياد له ، وأمّا علم من أعرض عن الكتاب والسنّة ولم يتقيّد بهما فهو من لدن النفس والشيطان ، فهو لدنّىّ لكن من لدن من؟ وإنما يعرف كون العلم
__________________
(١) الآية ٦٥ سورة الكهف
(٢) كذا. والأولى : «ما من لدنه» (لدن) الغالب جرها بمن
(٣) الآية ٨٠ سورة الاسراء
(٤) هذه العبارة مقحمة هنا. ويظهر أنها كانت مؤخرة عن الآية وأنه كان لها خبر سقط
(٥) الآية ٦٢ سورة الأنفال