وبعد كلّ هذا فليس من البعيد أن يكون شيخنا الصدوق رحمهالله قد تأثّر بمشايخه وتسرّع في حكمه على الذين رووا الشهادة بالولاية لعلي في الأذان واتّهمهم بالوضع والغلوّ ؛ لعدم وجود ما يروونه عند مشايخه ، أو لعدم تطابقه مع عقائدهم ، فالصدوق اتّبع شيخه ابن الوليد في نسبة الوضع لكتابي النرسي والزراد إلى أبي جعفر الهمداني السمّان في حين عرفت أنّ ابن الغضائري قال : إنّي رايت كتبهما [ أي كتب زيد النرسي وزيد الزرّاد ] مسموعة من محمّد بن عمير .
وعليه فلا يمكن الاعتماد على جروح القميّين بلا تمحيص ، لأنّ المشهور عنهم أنّهم إذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم رَمَوها بالضعف ووصفوا راويها بالجعل والدسّ .
وبذلك فقد تبيّن لك ـ على سبيل المثال ـ أنّ القميّين جزموا بضرس قاطع بأنّ أصل الزرّاد موضوع ، في حين أنّ الطرق الصحيحة إليه (١) أكّدت أنّه ليس بموضوع ؛ إذ الطريق إليه صحيح معتبر لا شك في ذلك ولا ريب ، وهذا يدعونا لأن نشكك فيما يقطع به شيخنا الصدوق قدسسره خصوصاً إذا انفرد بالقول بالوضع كما في أخبار الشهادة الثالثة .
فقد يكون جَزْمُ الصدوق قدسسره بضرس قاطع بأنّ أخبار الشهادة الثالثة من وضع المفوِّضة هو من قبيل جزمه بأنّ أصل الزرّاد موضوع ، وما يدرينا فلعلّ شأن أخبار الشهادة الثالثة ستكون شأن أصل الزراد ، بل يمكن القول أنّ حكم الشيخ الصدوق رحمهالله بالوضع عموماً وفي أخبار الشهادة الثالثة بنحو خاصّ لا يمكن الاعتماد عليه ، خاصّة حينما نراه ينفرد في مثل هذا الحكم ولم يتابعه عليه أحد من
__________________
(١) كطريق ابن الغضائري والمفيد والطوسي والنجاشي رحمهم الله .