فلنأخذ مثالاً على ذلك ، وهو موضوع الإسراء والمعراج ؛ لأنّه يرتبط بموضوع الأذان ، والمطالع فيما قلناه سابقاً يقف على الأقوال التي قيلت في مكان الإسراء ، فهو : إمّا من شعب أبي طالب (١) ، أو من بيت خديجة (٢) ، أو من بيت أُمّ هاني بنت أبي طالب (٣) ـ أُخت الإمام عليّ ـ هذه هي الأقوال المشهورة ، وكلّها ترتبط بنحو ما بآل أبي طالب .
لكنّهم حرَّفوا الأمر وجعلوه من بيت عائشة ، في حين يعلم المحقّق الخبير وبتأمّل بسيط بأنّ هذا تحريف للحقائق ؛ لأنّ المعروف عن عائشة أنّها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدثت عن النبي ، وكذا معاوية فإنّه كان كافراً في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ولم يحدث عن النبي ، هذان الشخصان هما مَن روى بأنّ إسراء رسول الله كان في المنام ، لا في اليقظة ، في حين أنّ الباري جلّ شأنه يقول في محكم كتابه : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) والعرب لا تقول للنائم : ( أَسْرَى ) وخصوصاً لو جاء مع قوله : ( بعبده ) والذي هو عبارة عن مجموع الروح والجسد (٤) .
نعم ، قد يمكن أن يقال للذي يرى الأُمور في المنام أنّها ( رؤيا ) لا إسراء ، وهذا ما كانت بنو أُميّة تريد التأكيد عليه في موضوع الإسراء ، والأذان المشرّع فيه ، إذ القول بأنّ الإسراء كان مناماً ينسف إعجازه ، ومن ثمّ يتسنى لهم الطعن والتلاعب بالأذان المشرّع فيه ، لذلك كان أئمّة مدرسة أهل البيت يصرّون على أنّ الإسراء كان جسمانياً ، وأنّه معجز ربّانيّ فوق الفهم الإنساني ، وليس كما تقوله بنو أُميّة .
__________________
(١) فتح الباري ٧ : ٢٠٤ ، الدر المنثور ٥ : ٢٢٧ .
(٢) التفسير الكبير للرازي ٤ : ١٦ ، المجموع للنووي ٩ : ٢٣٥ ، شرح الازهار ١ : ١٩٩ .
(٣) تفسير الطبري ١٥ : ٢ ، الدر المنثور ٥ : ٢٠٩ ، فتح الباري ٧ : ٢٠٤ .
(٤) انظر تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٩ ، والتفسير الكبير ٢٠ : ١٢١ ، واضواء البيان ٣ : ٣ .