وقد اعترف بعض العامة بذلك ؛ فقال ابن كثير : . . . فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظَماً ، ولَمَا بادرت قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن كان قد أسلم (١) .
وأجاب ابن عطية عن دعوى عائشة ومعاوية ، بقوله : . . واعتُرِضَ قولُ عائشة بأنّها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدّثت عن النبي ، وأمّا معاوية فكان كافراً في ذلك الوقت ، غير مشاهد للحال ، صغيراً ، ولم يحدّث عن النبي (٢) .
بلى ، إنّهم بتشكيكهم هذا أرادوا أن يقولوا بأنّ الأذانَ لم يُشرّع في السماء بل شُرّع في المنام (٣) ، وأنَّ بعض الصحابة قد شُرّف بهذا المنام الوحياني الذي لم يُحْظَ به رسول الله ، إذ سمع النداءَ السماويَّ : عبد الله بن زيد ، أو عمرُ ، أو معاذُ ، ولم يسمعه رسول الله ، فأمر صلىاللهعليهوآله بلالاً أن يأخذ الأذان من عبد الله بن زيد ! !
وجاءت روايات أُخرى تقول : إنّ رسول الله استشار بعض الصحابة في هذا الحكم الإلهيّ ، فأشاروا عليه بأشياء استقبح الرسول بعضها ، ورضي بالآخر منها .
وفي آخر : إنّ عمر أضاف الشهادة بالنبوّة في الأذان (٤) ، إلى غيرها من التمحّلات الكثيرة التي أُسْقِطَتْ على الأذان وحرّفته عن وجهته الحقيقية .
في حين قد وقفت سابقاً على كلام الإمامين الحسن والحسين وكلام محمّد بن
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٣ : ٢٤ ، سورة الاسراء : ١ .
(٢) المحرر الوجيز ٣ : ٤٣٥ ، تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٩ .
(٣) سنن أبي داود ١ : ١٣٤ / باب بدء الاذان / ح ٤٩٨ ، الجامع الصحيح للترمذي ١ : ٣٥٨ / باب ما جاء في الاذان / ح ١٨٩ ، الموطّأ ١ : ٦٧ / ح ١٤٧ ، مصنف عبد الرزاق ١ : ٤٥٥ / ح ١٧٧٤ ، كنز العمال ٧ : ٢٨٣ / ح ٢٠٩٥٢ .
(٤) روى ابن خزيمة عن ابن عمر أنّ بلالاً كان يقول أول ما أذن : أشهد أن لا إله إلّا الله ، حي على الصلاة ، فقال له عمر : قل في أثرها أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قل ما أمرك عمر . صحيح ابن خزيمة ١ : ١٨٨ / ح ٣٦٢ ، كنز العمال ٨ : ١٥٧ / ح ٢٣١٥٠٤ .