وقد مرّ في اخر الدليل الكنائي مطلوبية الإتيان بالشهادة الثالثة ـ خصوصاً في هذه الأزمنة ـ مع اقرارنا بوجود معنى الولاية في الأذان من خلال جملة « حيّ على خير العمل » ولو احببت راجع (١) .
قبل البحث في هذه المسألة لا بد من القول بأنّ دعوى المصلحة لتأسيس حكم شرعي ليست صالحة في كل الفروض ؛ فما لم يُقطع بوجود المصلحة قطعاً حقيقياً أو تعبدياً لا يجوز تأسيس حكم عليها ونسبته إلى الشارع ؛ لأنّه حينئذ من التشريع المحرّم الذي يدور مدار الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئاً ؛ وعلى هذا الأساس رفض مذهبنا العمل بالاستحسان ، وكذلك الشافعي في قوله : « من استحسن فقد شرّع » (٢) .
والتاريخ أنبأنا أنّ الاستحسان أبدعه عمر بن الخطاب ؛ وإنّما صار الاستحسان أحد مصادر التشريع الإسلامي عند بعض العامة اتباعاً لعمر وانقياداً لما فعل ـ وان استندوا عليه بآيات وروايات ـ في حين ان تلك الآيات والروايات لا تصحح ما يقولون به ، وعلى سبيل المثال فإنّ نافلة ليالي شهر رمضان قد صلّاها رسول الله صلىاللهعليهوآله والصحابة فُرادى ، لكنّ عمر استحسن أن تُصلّى جماعة واستقبح أن تكون فرادى ، والأخبارُ الصحيحة في جامع البخاري وغيره جزمت بأنّ النبيّ خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا صلىاللهعليهوآله نهاهم عن ذلك (٣) ، لكن لمّا وصلت الخلافة إلى عمر أصرّ على
__________________
(١) صفحة ٢٢٣ وصفحة ١٤٩ .
(٢) المغني ٦ : ١٥١ ، التقرير والتحبير ٣ : ٢٩٦ ، أدب الطلب : ٢١١ .
(٣) صحيح البخاري ١ : ٣١٣ / ح ٨٨٢ ، ١ : ٣٨٠ / ح ١٠٧٧ ، ٢ : ٧٠٨ / ح ١٩٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٥٢٤ / ح ٧٦١ ، مسند أحمد ٦ : ١٦٩ / ح ٢٥٤٠١ ، ٦ : ١٧٧ / ح ٢٥٤٨٥ .