قد يلحق صناعياً مثل هذا التخريج بالتخريج الثالث الآنف ؛ باعتبار أنّ البحث يدور مدار الملاك وعدمه ، وإنّما أفردنا له عنواناً خاصاً بعناية دفع المفسدة علاوة وجود الملاك والمصلحة ، فلقد تقدّم وجود ملاك سماوي في عملية التبليغ والإشهاد بالولاية من قبل النبي صلىاللهعليهوآله ، ومثل هذا ناهض لجواز التبليغ بها شعارياً ، بأيّ طريقة كانت وبأي صيغة ، في الأذان وفي غيره .
لكنّ هناك أمراً آخر ، وهو دفع المفسدة عن الدين وأهله شعارياً ؛ وأصل ذلك ثابت في القرآن الكريم وسنة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وبلا تطويل حسبنا بعض آيات الكتاب العزيز تدليلاً على هذه المسألة ، فلقد ذكر القرآن الكريم عن الأنبياء سلام الله عليهم بأنّهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، وبالطبع فإنّه لا معنى لِان يدرج مثل هذا الكلام في كتاب مقدس مثل القرآن إلّا لغرض واحد هو إيقاف الأمم على حقيقة أنّ الأنبياء مهما علت درجاتهم وتقدّست مادّتهم وطهرت أنفسهم فهم ليسوا إلّا بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ؛ كناية عن ما يلازم البشرية من لوازم المادة ؛ لينفي الله عنهم شبهة الألوهية واحتمال الربانية أو الملائكية أو غيرها من التوهمات المخرجة لهم عن مجرّد البشرية ؛ ولقد أخبرنا التاريخ أنّ بعض البشر ـ وهم كثير ـ قد يقعون في براثن هذه الشبهة بقصد وبغير قصد ، والقرآن والأنبياء وقفوا بالمرصاد لذلك ؛ حفظاً للحدود المقدّسة بين الربوبية والعبودية .
وهذا هو الذي يفسّر لنا ما دفع بالنبي صلىاللهعليهوآله لأن يقول في شأن علي عليهالسلام : « يهلك فيك رجلان ، محبّ غال ومبغض قال » ، فالمبغض القال هو الناصبّي الذي يضمر العداء والبغض لمن أمر الله بمودّتهم من أهل البيت الذي طهرهم الله من الرجس تطهيراً .