لكنّهم يضفون عليه بعض صفات الأُلوهيَّة ، كالخالقية والرازقية والغافرية وتدبير أمر الخلق وما شابه ذلك على نحو الاستقلال .
فالغلاة كفرة ، والمفوِّضة مشركون ، والغلاة حسب تعبير الأئمّة : يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله (١) ، والمفوِّضة ليسوا بأقلّ من أُولئك .
لا يسعنا إلّا أن نؤكّد أنّ ثمة صراعاً قد حدث بين بعض المحدِّثين والمتكلّمين في هذه المسألة في العصور اللاحقة ، حيث نسب المحدّثون بعض الأُمور إلى أنّها نحوُ من أنحاء الغلوّ ، في حين ذهب المتكلّمون إلى أنّ عدم الاعتقاد بها من التقصير بمقامات هؤلاء الخُلّص من عباد الله ، وليست هي من الغلو والتفويض في شيء ، لكونها ، ليست إلّا ملكات خاصة أعطاها الله للنبي والأئمة المعصومين من ذريته ، وقالوا للآخرين : إنّ ما تقفون عليه في بعض الأخبار ما هو إلّا ذرّة من بحر ، وحيثما لا يمكنكم استيعاب ما منح الله للمعصومين من أشياء في عالم الوجود والخلق ، أنكرتموها وقلتم أنّها موضوعة أو ضعيفة (٢) .
إنّ الصراع الدائر بين بعض المحدِّثين من جهة ، وبعض المتكلّمين من جهة أُخرى ، حول مسألة الغلو والتفويض ، تعود إلى القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث ، وهو ليس بالأمر الهيِّن ، إذ يمتاز بالعمق والحسَّاسية ، ولا ينبغي التعامل معه بهامشيّة ، والبحث فيه بحاجة ماسَّة إلى دراسة مستفيضة لمدرسة القميّين
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٦٥٠ / ح ١٣٤٩ وعنه في بحار الأنوار ٢٥ : ٢٦٥ ح ٦ / باب نفي الغلو . . .
(٢) انظر ذلك في بحار الأنوار ٢٥ : ٣٤٥ ـ ٣٥٠ ، مستدرك سفينة البحار ٨ : ١٧ ، وكتب الشيخ المفيد والسيّد المرتضى .