خوفاً على المذهب .
أمّا البغداديون فكانوا يرون لأنفسهم مناقشة النصوص تبعاً لقول أئمتهم في لزوم عرض كلامهم على القران والسّنّة المتواترة القطعيّة والعقل وترك ما يُخالف سيرة المتشرّعة ، فكانوا لا يأخذون العقل دليلاً مستقلاً دون النص ، بل كانوا يفهمون النص على ضوء العقل ، وبذلك صار القمّيّون ألصق بنزعة الحديث منها إلى نزعة العقل ؛ حفاظاً منهم على تراث العصمة وأنّه هو المقدم في عمليات الاستدلال والاستنباط باعتبار أنّ الظروف المحيطة بهم آنذاك تدفعهم للوقوف بوجه من يريد الكيد بالمذهب الحق وتشويه صورته .
وإليك الآن بيان بعض تلك المسائل الخلافية التي يمكننا في ضوءها توضيح بعض المتبنيات الفكرية للطرفين ، نطرحها كمحاولة في هذا المجال ولا ندعيها قواعد عامة واصول لا يمكن تخطيها ، بل هي نقاط توصلنا إليها وفق التتبع الاولي لمواقفهم ومروياتهم ، مؤكدين بأن البت في اُصول منهجهم لا يتحقق إلّا بعد الاستقراء التام لمروياتهم وما قيل عنهم ، وإليك تلك النقاط الثلاث .
اشتهر عن القمّيين تشددهم في الأخذ عن الرجال ، جرحاً وتعديلاً ، وقد ثبت عند علماء الرجال سنة (١) وشيعة (٢) الأخذ بتوثيقات المتشدّدين وعدم الاعتناء بطعونهم ، لأنّهم يجرحون الرجال بأدنى كلمة ، فلو ترضّوا على أحد صار توثيقاً له ، ودليلاً على سلامة معتقده ، وعليه يكون توثيقهم قد جاء بعد الفحص الشديد
__________________
(١) انظر فتح المغيث ، للسخاوي ٣ : ٣٥٨ ، عن الذهبي ، والرفع والتكميل : ٢٧٤ مثلاً .
(٢) انظر كلام السيّد حسن الصدر في نهاية الدراية : ٣٨٢ مثلاً .