١٣ ـ بصيرة فى وحى
الوحى : ما يقع به الإشارة القائمة مقام العبارة من غير عبارة ، فإنّ العبارة يجوز منها إلى المعنى المقصود بها ، ولذا سمّيت عبارة ، بخلاف الإشارة الّتى هى الوحى فإنها ذات المشار إليه ، والوحى هو المفهوم الأوّل ، والإفهام الأوّل ، ولا تعجب من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه ، فإن لم تحصل لك هذه النكتة فلست بصاحب وحى ، ألا ترى أنّ الوحى هو السّرعة ، ولا سرعة أسرع ممّا ذكرنا. فهذا الضّرب من الكلام يسمّى وحيا ، ولما كان بهذه المثابة وأنّه تجلّ ذاتىّ ، لهذا ورد فى الحديث الذى رواه ابن حبّان فى صحيحه وغيره «أنّ الله إذا تكلّم بالوحى سمع أهل السّماء صلصلة كجرّ / السلسلة على الصّفاة فيصعقون ، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم جبريل ، فإذا جاءهم فزّع (١) عن قلوبهم فيقولون : يا جبريل ما ذا قال ربّك فيقول : الحقّ ، فينادون الحقّ وهو العلىّ الكبير (٢)» [وما سألت الملائكة (٣)] عن هذه الحقيقة [وإنما عن] السبب من حيث هويّته.
فالوحى : ما يسرع أثره من كلام الحق فى نفس السّامع ، ولا يعرف هذا إلا العارفون بالشئون الإلهيّة فإنّها عين الوحى الإلهىّ فى العالم وهم لا يشعرون. فافهم.
__________________
(١) فزع عن قلوبهم : كشف عنهم الخوف.
(٢) ورد الحديث فى إرشاد السارى للقسطلانى ١ / ١٦٧ وقد أورده من طرق عدة وبألفاظ تزيد وتنقص وكلها متقاربة المعنى.
(٣) ما بين القوسين تكملة من اللسان (فزع) والعبارة هنا مضطربة فى كلتا النسختين ، واستوحينا تصويبها من اللسان وإرشاد السارى.