الأسباب يقدح فى التوكّل ، وأنّ نفيها تمام التوكّل ، فاعلم أنّ إثبات (١) الأسباب فى [حصول المتوكّل به لا يناقض التوكل (٢)] فهو كالدّعاء الذى جعله الله سببا فى حصول المدعوّ به ، فإذا اعتقد العبد أنّ التوكّل لم ينصبه الله سببا ولا جعل دعاءه سببا لنيل شىء ، لأنّ (٣) المتوكّل فيه المدعوّ بحصوله إن كان قدّر فسيحصل (٤) ، توكّل أو لم يتوكّل ، دعا أو لم يدع ، وإن لم يقدّر فلن (٥) يحصل ، توكّل أيضا أو ترك التوكّل [فهذا العبد مراغم لحكمة الله جاهل بسنته](٦) [وقد] صرّح هؤلاء أنّ التوكّل والدّعاء عبوديّة محضة ، لا فائدة فيه إلّا ذلك ، ولو ترك العبد التوكّل والدعاء لما فاته شىء ممّا قدّر له ، [بل](٧) من غلاتهم (٨) من يجعل الدّعاء (٩) بعدم المؤاخذة على الخطإ والنّسيان عديم الفائدة إذ هو مضمون الحصول ، حتى قال بعضهم فى تصنيف له : لا يجوز الدّعاء بهذا وإنّما يجوز تلاوة لا دعاء ، قال : لأنّ الدّعاء يتضمّن الشّكّ فى حصوله ووقوعه ، لأنّ الدّاعى بين الخوف والرّجاء ، والشكّ فى وقوع ذلك شكّ فى خبر الله. فانظروا إلى ما أفاد إنكار الأسباب من العظائم وتحريم الدّعاء بما أثنى الله به على عباده وأوليائه بالدّعاء به وبطلبه. ولم يزل المسلمون من عند نبيّهم وإلى الآن يدعون به فى مقامات الدّعاء ، وهو من أفضل الدّعوات.
__________________
(١) فى ا ، ب : تفات ولعلها تصحيف إثبات وهو ما يقتضيه السياق.
(٢) ما بين القوسين تكملة يقتضيها المقام وقد اعتمدنا فيها على ما فى الإحياء من عبارات وما سيرد فى عباراته من تفصيلات.
(٣) فى ا ، ب : «فإن» وما أثبتنا أوضح.
(٤) فى ا : يحصل.
(٥) فى ا ، ب : «لم» وما أثبتناه أولى.
(٦) ما بين القوسين تكملة يقتضيها المقام وقد اعتمدنا فيها على ما تقدم من عباراته أول الفصل.
(٧) فى ا ، ب : «ومن».
(٨) فى ا ، ب : علاماتهم وما أثبتنا يقتضيه السياق.
(٩) يريد الدعاء الوارد فى قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) : آية ٢٨٦ سورة البقرة.