وجواب هذا الوهم الباطل هو (١) أن يقال : بقى قسم آخر غير ما ذكرتم من القسمين ، هو أن يكون قضى بحصول الشىء عند حصول سببه من التوكّل والدّعاء ، فنصب الدّعاء والتوكّل سببين لحصول المطلوب ، وقضى بحصوله إذا فعل العبد سببه ، فإذا لم يأت بالسبب امتنع المسبّب ، وهذا كما إذا قضى بحصول الولد إذا جامع الرّجل من يحبلها فإذا لم يجامع لم يحصل (٢) الولد. وقضى بحصول الشبع والرىّ إذا أكل / وشرب ، فإذا لم يفعل لم يشبع ولم يرو. وقضى بحصول الحجّ والوصول إلى مكّة إذا سافر وركب الطّريق ، فإذا جلس فى بيته لا يصل إلى مكّة أبدا. وقضى بدخول الجنّة إذا أسلم وأتى بالأعمال الصّالحة ، فإذا لم يسلم ما دخلها أبدا. فوزان (٣) ما قاله منكرو الأسباب أن يترك كلّ من هؤلاء السبب الموصّل ويقول : إن كان قضى لى وسبق لى فى الأزل حصول الولد والشّبع والرىّ والحجّ ونحوه فلا بد أن يصل إلىّ ، تحرّكت أو لم أتحرّك ، تزوّجت أو تركت ، سافرت أو تركت ، وإن لم يكن قضى لى لم يحصل لى أيضا ، فعلت أو تركت ، فهل يعدّ أحد هذا القائل من جملة العقلاء؟ وهل البهائم إلّا أفهم منه ، فإنّ البهيمة تسعى فى السّبب. فالتوكّل من أعظم الأسباب الّتى يحصل بها المقصود ويندفع بها المكروه ، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التّوكّل ، (ولكن من تمام التوكّل) (٤) عدم الرّكون (إلى) (٥) الأسباب وقطع علاقة القلب بها ، فيكون حال
__________________
(١) ا ، ب : وهو.
(٢) فى ا : يحبل ، وفى ب : يخلق وما أثبتنا هو عبارة المؤلف فيما سيأتى من تفصيلاته.
(٣) فوزان ما قاله : كفاؤه وما يجب أن يكون نتيجة له.
(٤) سقط من ا.
(٥) سقط من ا.