والعامّة تقول : فهمّة كلّ امرئ ما يحسنه. والخاصّة تقول : فهمّة كلّ امرئ ما يطلب. يريد أن قيمة المرء همّته ومطلبه (١).
قال الشيخ عبد الله الأنصارىّ : الهمّة ما يملك الانبعاث للمقصود صرفا ، لا يتمالك صاحبها ولا يلتفت عنها. وقوله : تملك الانبعاث للمقصود ، أى يستولى عليه كاستيلاء المالك على المملوك ، وصرفا أى خالصا. والمراد أنّ همّة العبد إذا تعلّقت بالحقّ تعالى طلبه (٢) خالصا صادقا ومحضا ، فتملك الهمّة العالية التى لا يتمالك صاحبها ، أى لا يقدر على المهلة ، ولا يتمالك لغلبة سلطان الهمّة وشدّة إلزامها إيّاه بطلب المقصود ولا يلتفت عنها إلى ما سوى أحكامها ، وصاحب هذه الهمّة سريع وصوله وظفره بمطلوبه ما لم تعقه العوائق ، وتقطعه العلائق. وهى على ثلاث درجات :
الدّرجة الاولى : همّة تصون القلب عن وحشة الرّغبة فى الدّنيا وما عليها ، فيزهد القلب فيها وفى أهلها. وسمّيت الرغبة فيها وحشة لأنّها وأهلها توحش القلب والرّاغبين فيها ، فأرواحهم وقلوبهم فى وحشة من أجسامهم إذ فاتها ما خلقت له. وأمّا الزاهدون فيها فإنّهم يرونها موحشة لهم ؛ لأنّها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم ، ولا شىء أوحش عند القلب من شىء يحول بينه وبين مطلوبه ومحبوبه ، ولذلك كان من نازع النّاس أموالهم وطلبها منهم أوحش شىء إليهم
__________________
(١) ومما يروى عن الإمام على كرم الله وجهه : قيمة كل إنسان ما يحسن.
(٢) فى ا ، ب : طلب والسياق يقتضى ضميرا أو مظهرا والضمير هنا يعود على لفظة الحق تعالى والمراد منه التفانى فى عبادته لذاته.