٣٤ ـ بصيرة فى نطف
النّطفة : الماء الصّافى قليلا كان أو كثيرا ، فمن القليل نطفة الإنسان. وفى قصّة غزوة هوازن أنّه قال صلىاللهعليهوسلم يوما : «هل من وضوء؟ فجاء رجل بنطفة فى إداوة فاقتضّها ، فأمر بها صلىاللهعليهوسلم فصبّت فى قدح فتوضّأنا كلّنا ونحن أربع عشرة مائة ندغفقها دغفقة (١)» يريد الماء القليل. وقال أبو ذؤيب الهذلىّ يصف عسلا :
فشرّجها من نطفة رجبيّة |
|
سلاسلة من ماء لصب سلاسل (٢) |
أى خلطها بماء سماء أصابهم فى رجب. قال الله تعالى : (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ)(٣) ، وقال : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً)(٤). ومن الكثير قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يزال الإسلام يزيد وأهله ، وينقص الشرك وأهله ، حتى يسير الرّاكب بين النّطفتين لا يخشى إلّا جورا (٥)» ، يريد البحرين : بحر المشرق وبحر المغرب ، فأمّا بحر المشرق فإنّه ينقطع عند البصرة ، وأمّا بحر المغرب فمنقطعه عند القلزم. وقيل : أراد بالنّطفتين : ماء الفرات وماء البحر الّذى يلى جدّة وما والاها ، وكأنّه أراد أنّ الرّجل يسير فى أرض العرب
__________________
(١) الفائق : ٣ / ١٠٣.
اقتضها (ويروى بالفاء) : فتح رأس الإداوة ـ دغفق الماء : صبه صبا كثيرا واسعا.
(٢) شرح أشعار الهذليين : ١٤٥.
شرجها : مزجها وخلطها. سلاسلة : سهلة سريعة الدخول فى الحلق. اللصب : الشق فى الجبل. سلاسل : عذب بارد.
(٣) الآية ٣ سورة الإنسان.
(٤) الآية ١٤ سورة المؤمنون.
(٥) الفائق : ٣ / ١٠٣.