[٣٨ ـ ٤٠] (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠))
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) أي : يبرزون كمالاتهم من كتم العدم ، ويخرجونها إلى الفعل ، محجوبين برؤيتها لأنفسهم ، يراءون الناس بأنها لهم (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الإيمان الحقيقي ، فيعلمون أن الكمال المطلق ليس إلا له ، ومن أين لغيره وجود حتى يكون له؟ فيتخلصون عن حجاب رؤية الكمال لأنفسهم ، وينجون عن إثم العجب. (وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي : الفناء في الله والبروز للواحد القهّار ، فيتبرّؤون من ذنب الشرك ، وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) لأنه يضلّه عن الهدى ، ويحجبه عن الحقّ (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ) أي : لو صدّقوا لله بالتوحيد والفناء فيه ، ومحو كمالاتهم التي رزقهم الله بإضافتها إلى الله؟ (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) يجازيهم بالبقاء بعد الفناء ، وكونهم مع تلك الصفات والكمالات بالله لا بأنفسهم.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ) أي : لا ينقص من تلك الكمالات بالفناء فيه (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) بل يضاعفها بالتأييد الحقانيّ (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) ولا تكون حسنة إلا إذا كانت له (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) هو ما أخفي له من قرّة أعين ، أي : الشهود الذاتي الذي لا حجبة معه عن تفاصيل الصفات.
[٤١] (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١))
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) إلى آخره ، الشهيد والشاهد : ما يحضر كلّ أحد مما بلغه من الدرجة في العرفان ، وهو الغالب عليه ، فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاما كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتا ، فلكل أمّة شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم وعرّفه لهم وما دعاهم إلا إلى ما وصل إليه من مقامه في المعرفة ، ولا يبعث نبيّ إلا بحسب استعداد أمّته فهم يعرفون الله بنور استعدادهم في صورة كمال نبيّهم. ولهذا ورد في الحديث : إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقدهم ، فيعرفه كلّ واحد من الملل والمذاهب ، ثم يتحوّل عن تلك الصورة ، فيبرز في صورة أخرى فلا يعرفه إلّا الموحدون الداخلون في حضرة الأحدية من كل باب. وكما أنّ لكل أمّة شهيدا ، فكذلك لكل أهل مذهب شهيد ، ولكل واحد شهيد يكشف عن حال مشهوده ، وأما المحمّديون فشهيدهم الله المحبوب الموصوف بجميع الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيبا مؤتى جوامع الكلم ،