واقصدوه وارجعوا إلى أصل الاستعداد الفطريّ (فَامْسَحُوا) من نوره (بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) أي : ذواتكم الموجودة وصفاتكم بالنزول ومحو هيئات التعلق بها ، والتصرّف فيها ، فإن ذلك التراب يمحو آثارها ويذرها صافية كما كانت (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) يعفو عن تلك الهيئات المظلمة ورسوخ تلك الملكات الحاجبة بتركها والإعراض عنها ، فيزيلها بالكلية فيصفو استعدادكم وتستعدّوا للقائه ومناجاته (غَفُوراً) يستر صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته.
[٤٤ ـ ٤٦] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي : بعضا هو اعترافهم بالحق مع احتجابهم عن الدين (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) يستبدلون الاحتجاب عن الدين الذي هو طريق الحق بنور هداية استعدادهم ويريدون بكم ذلك أيضا وهم أعداؤكم ، علم الله عداوتهم إياكم إذا (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) يلي أمركم بالتوفيق لطريق التوحيد ، ونصيرا ينصركم على أعدائكم بالقمع.
[٤٧ ـ ٤٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) كتاب الاستعداد (آمِنُوا) إيمانا حقيقيا عيانيا بإخراج ما في كتاب استعدادكم إلى الفعل من توحيد الذات (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) بإزالة استعدادها ومحوه (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) التي هي أسفل سافلي عالم الجسم الذي هو خلف كل عالم (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) نعذبهم بالمسخ كما مسخنا (أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي : مقضيا إلى الأبد ، لا يغيّره أحد ولا ينقضه (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) إشارة إلى أنّ الشقاوة العلمية الاعتقادية مخلّدة لا تتدارك أبدا دون العملية ، أي : لا يستر بوجوده ولا يفني بذاته من يثبت غيره في الوجود وكيف وأنه يناوبه بوجوده.
[٤٩ ـ ٥٠] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي : يزيلون صفات نفوسهم بنفوسهم ، وذلك غير ممكن كما لا يمكن لأحدنا حمل نفسه إذ هي لوازم النفس باقية لازمة لها ، ولهذا قال تعالى :