(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) (١) ، إذ الرذائل معجونة فيها ، باقية ببقائها. وقال عليه الصلاة والسلام : «شرّ الناس من قامت عليه القيامة وهو حيّ» أي : يقف على علم التوحيد ونفسه لم تمت بالفناء حتى تحيى بالله ، فإنه حينئذ زنديق قائل بالإباحة في الأشياء.
(بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) بمحو صفاته وإزالتها بصفاته تعالى (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي : لا ينقصون شيئا حقيرا من صفاتهم وحقوقها فإنّ الله لا يأخذ شيئا منها مع ضعفها وسرعة انقضائها حتى يعطي بدله من صفاته مع قوتها ودوامها (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) با دعاء تزكية نفوسهم من صفاتها وما تزكّت ، أو بانتحال صفات الله إلى أنفسهم لوجود نفوسهم.
[٥١ ـ ٥٥] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥))
(أَلَمْ تَرَ) إلى آخره ، (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) لإثباتهم وجود الغير ، وذلك إضلالهم عن الدين الذي هو طريق التوحيد (وَيَقُولُونَ) لأجل الذين حجبوا عن الحق (هؤُلاءِ أَهْدى) من الموحدين (سَبِيلاً) لموافقتهم في الشرك دون المؤمنين ، فإنهم يخالفونهم في الطريق والمقصد ، إذ المعترفون بالتوحيد لما ضلّوا السبيل لم يصلوا إلى المقصد الذي اعترفوا به فلزمهم شرك خفيّ قريب من حال المحجوبين عن الحق الذين أشركوا شركا جليّا فناسبوهم وصوّبوهم وزعموا أنهم أهدى الموحدين على ما نرى عليه بعض الظاهريين من الإسلاميين (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) بمسخ الاستعداد ، ومن طرده الله فلا يمكن لأحد نصرته بالهداية والتقريب والإنجاء.
[٥٦] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي : حجبوا عن تجليات صفاتنا وأفعالنا. إذ مطلع الآية كونه متجليا بالعلم والحكمة والملك في آل إبراهيم (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) نار شوق الكمال لاقتضاء غرائزهم وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ الحجاب ولزومه ، أو نار قهر من تجلّيات صفات قهره تناسب أحوالهم ، أو نار شره نفوسهم وحدّة شوقها وطلبها لما ضرّيت بها من كمالات صفاتها وشهواتها مع حرمانها عنها (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) رفعت حجبهم
__________________
(١) سورة الحشر ، الآية : ٩.