الجسمانية بانسلاخهم عنها (بَدَّلْناهُمْ) حجبا غيرها جديدة (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) نيران الحرمان (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) قويا يقهرهم ويذلهم بذل صفات نفوسهم ، ويحرقهم بنيران توقانها إلى كمالاتهم مع حرمانهم أبدا (حَكِيماً) يجازيهم بما يناسبهم من العذاب الذي اختاروه لأنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها ، وميولهم إلى الملاذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجبا ظلمانية بعد حجب.
[٥٧] (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧))
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الصفات (وَعَمِلُوا) ما يصلحهم لقبول تجلياتها (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) الاتصاف بها ومقاماتها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : أنهار علوم تجلياتها من علوم القلب. والأزواج هاهنا الأرواح المقدّسة التي هي مظاهر الصفات الإلهية المطهرة بالهيئات البدنية (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) أي : ظلّ الصفات الإلهية الدائم روحها بمحو الصفات البشرية.
[٥٨] (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨))
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) أي : حق كلّ ذي حق إليه بتوفية حق الاستعداد أولا ، ثم بتوفية حقوق القوى كلها من كمالاتها التي تقتضيها ، ثم بتوفية حق الله تعالى من أداء الصفات إليه ، ثم أداء الوجود فتكونوا فانين في التوحيد. فإذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء ، وحكمتم بين الناس ، كنتم قائمين في الأشياء بالله ، قوّامين بالقسط ، متصفين بعدل الله بحيث لا يمكن صدور الجور منكم. وأقلّ الدرجات في العدل هو المحو في الصفات ، إذ القائم بالنفس لا يقدر على العدل أبدا (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) بأقوالكم فيما بين الناس من المحاكمات ، هل هي صائبة بالحق أم فاسدة بالنفس؟ (بَصِيراً) بأعمالكم ، هل تصدر من صفات نفوسكم أو من صفات الحق؟.
[٥٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الصفات (أَطِيعُوا اللهَ) بتوحيد الذات والفناء في الجمع (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) بمراعاة حقوق التفصيل في عين الجمع وملاحظة ترتيب الصفات بعد الفناء في الذات (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ممن استحق الولاية والرياسة كما مر في حكاية طالوت.
[٦٠ ـ ٦٢] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً