(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ) أي : توفيقه وإمداده لسلوك طريقه بما يخرج كمالك إلى الفعل ويبرز ما فيك كامنا من العلم (وَرَحْمَتُهُ) هبته لذلك الكمال المطلق الذي أودعه فيك في الأزل وهي الرحمة التي ليس وراءها رحمة (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لكون الضلال ناشئا من أصل استعدادهم لكونهم مجبولين على الشقاوة أزلا فكيف يرجع ذلك الضلال المعجون فيهم إلى غيرهم.
(وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي : العلم التفصيلي التامّ بعد الوجود الموهوب (وَالْحِكْمَةَ) وعلم أحكام التفاصيل وتجليات الصفات مع العمل به (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) لأنه علم الله لا يعلمه إلا هو ، فلما كشف لك عن ذاته بفنائك فيه ثم أبقاك بالوجود الحقانيّ فصار قلبك وحجبك بحجاب ذلك القلب علمك علمه ، إذ الصفة تابعة للذات (وَكانَ فَضْلُ اللهِ) في إظهار هذا الكمال عليك بالتوفيق للعمل الذي أوصلك إلى ما أوصلك (عَظِيماً* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) فإنها فضول ، والفضول يجب تركها على السالك كما قال عليه الصلاة والسلام : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
(إِلَّا مَنْ أَمَرَ) أي : إلا نجوى من أمر (بِصَدَقَةٍ) أي : بفضيلة السخاء التي هي من باب العفة (أَوْ مَعْرُوفٍ) قوليّ كتعليم علم وحكمة من باب فضيلة الحكمة ، أو فعليّ كإغاثة ملهوف وإعانة مظلوم من باب الشجاعة (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) من باب العدالة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : يجمع بين الكمالات المذكورة (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) لا لطلب المحمدة أو الرياء والسمعة ، فتصير به الفضيلة رذيلة (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) من جنات الصفات.
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) أي : نفوسا ، إذ كل من يشرك بالله فهو عابد لنفسه بطاعة هواها ، وعابد لشيطان الوهم بقبول إغوائه وطاعته ، أو كل ما يعبد من دون الله لأنه ممكن وكل ممكن فهو متأثر عن الغير قابل لتأثيره محتاج إليه وهي صفة الإناث (نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي : غير المخلصين الذين أخلصوا دينهم بالتوحيد (وَلَآمُرَنَّهُمْ) بالعادات الفاسدة والأهواء المردية والأفعال الشنيعة المخالفة للعقل والشرع (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان الحقيقيّ التوحيد ، لأنهم في مقابلة المشركين (وَعَمِلُوا) ما يصلح لهم في الوصول إلى الجمع أو يصلح للناس أجمعين بالاستقامة في الله وبالله بعد الفناء وحصول البقاء (سَنُدْخِلُهُمْ) الجنات الثلاثة المذكورة (لَيْسَ) حصول الموعود (بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) أي : ما بقيتم مع نفوسكم وصفاتها وأفعالها ، فإرادتكم مجرّد تمن والتمني طلب ما يمتنع وجوده في العادة.
[١٢٥ ـ ١٣٣] (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ