مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩))
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ) يحتجبون عن الحق والدين وعن الجمع والتفصيل (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بالاحتجاب عن الدين دون الحق والتفصيل دون الجمع ، فينكرون الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا مباينا للتفصيل ، وذلك هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض.
(وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا) بين الإيمان بالكلّ جمعا وتفصيلا والكفر بالكلّ طريقا (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) المحجوبون (حَقًّا) بذواتهم وصفاتهم فإن معرفتهم وهم وغلط وتوحيدهم زندقة ليسوا من الدين ولا من الحق في شيء (مُهِيناً) يهينهم بوجود الحجاب وذل النفس وصفاتها (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) جمعا وتفصيلا (أُجُورَهُمْ) من الجنات الثلاثة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يستر عنهم ذواتهم وصفاتهم التي هي ذنوبهم وحجبهم بذاته وصفاته (رَحِيماً) يرحمهم بتمتيعهم بالجنات الثلاثة وبالوجود الموهوب الحقانيّ والبقاء السرمدي (كِتاباً مِنَ السَّماءِ) علما يقينيا بالمكاشفة من سماء الروح (أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) لأن المشاهدة أكبر وأعلى من المكاشفة (بِظُلْمِهِمْ) بطلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم إذ وجود البقية عند المشاهدة وضع الشيء في غير موضعه وطلب المشاهدة مع البقية طغيان من النفس ينشأ من رؤيتها كمالات الصفات لنفسها وذلك ظلم (سُلْطاناً) تسلطا بالحجة عليهم بعد الإفاقة (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) إلى قوله (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) رفع عيسى عليهالسلام اتصال روحه عند المفارقة عن العالم السفليّ بالعالم العلوي. وكونه في السماء الرابعة إشارة إلى أن مصدر فيضان روحه روحانية تلك الشمس الذي هو بمثابة قلب العالم ومرجعه إليه وتلك الروحانية نور يحرّك ذلك الفلك بمعشوقيته وإشراق أشعته على نفسه المباشرة لتحريكه ولما كان مرجعه إلى مقرّه الأصليّ ولم يصل إلى الكمال الحقيقيّ وجب نزوله في آخر الزمان ، بتعلّقه ببدن آخر وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل الكتاب ، أي : أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم قبل موت عيسى بالفناء في الله ، وإذ آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن الحجب الجسمانية وقيامهم عن حال غفلتهم ونومهم الذي هم عليه الآن (شَهِيداً) شاهدهم يتجلى عليهم الحق في صورته كما أشير إليه.