البدنية بالعبادة وترك السعادات الخارجية بالزهد ، وإيثار الثالثة التي هي الإيمان برسل العقل والإلهامات والأفكار الصائبة والخواطر الصادقة من الروح والقلب ، وإمداد الملكوت وتعزيرهم أي : تعظيمهم بتسليطهم على شياطين الوهم وتقويتهم ومنعهم وساوسها وإلقاء الوهميات والخياليات والخواطر النفسانية (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بالبراءة من الحول والقوة والعلم والقدرة إلى الله بالجملة من الأفعال والصفات كلها ثم من الذات بالمحو والفناء وإسلامها إلى الله (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : وجودات هذه الثلاث التي هي حجبكم وموانعكم عنكم (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ) من أفعالي وصفاتي وذاتي (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) علوم التوكل والرضا والتسليم والتوحيد. وبالجملة علوم تجليات الأفعال والصفات والذات ، فمن احتجب بعد ذلك العهد وبعث النقباء منكم (فَقَدْ ضَلَ) السبيل المستقيم بالحقيقة.
(قاسِيَةً) قست باستيلاء صفات النفس عليها وميلها إلى الأمور الأرضية الجاسية الصلبية فحجبت عن أنوار الملكوت والجبروت التي هي كلمات الله واستبدلوا قوى نفوسهم بها ، واستعملوا وهمياتهم وخيالياتهم بدل معارفها وحقائقها من المعاني المعقولية أو خلطوها بها ، وذلك هو تحريف الكلم عن مواضعه. (وَنَسُوا حَظًّا) أي : نصيبا وافرا مما أوتوه في العهد السابق من الكمالات الكامنة في استعدادهم بالقوة ، فذكروا به في العهد اللاحق (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أي : على نقض عهد ومنع أمانة لاستيلاء صفات النفس والشيطان عليهم وقساوة قلوبهم (الْمُحْسِنِينَ) الذين يشاهدون ابتلاء الله إياهم فلا يقابلونهم بالعقاب فيستعملون معهم الصفح والعفو (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) أي : ألزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم السبعية والبهيمية والشيطانية وميلهم إلى الجهة السفلية الموجب للتضاد والتعاند لاحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن العالم القدسي الذي فيه المقاصد كلية لا تقتضي التجاذب والتعاند إلى وقت قيامهم بظهور نور الروح والقيامة الكبرى بظهور نور التوحيد (يُنَبِّئُهُمُ اللهُ) بعقاب ما صنعوا عند الموت وظهور الحرمان والخسران بظهور الهيآت القبيحة المؤذية الراسخة فيهم.
[١٧ ـ ٢٢] (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ