المطمئنة ، ثم أجريت القصة بحالها إلى آخرها. (فَلا تَأْسَ) أي : لا تهتم بهدايتهم ، ولا تغتمّ على عقوبتهم ، فإنهم فسقوا وخرجوا عن طريق القلب بهواهم وطغيانهم.
[٢٧ ـ ٢٩] (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩))
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) القلب للذين هما هابيل القلب وقابيل الوهم ، إذ كان لكل منهما توأمة. أما توأمة العقل فالعاقلة العلمية المدبرة لأمور المعاش والمعاد بالآراء الصلاحية المقتضية للأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المستنبطة لأنواع الصناعات والسياسات. وأما توأمة الوهم : فالقوّة المتخيلة المتصرّفة في المحسوسات والمعاني الجزئية لتحصيل الآراء الشيطانية ، فأمر آدم القلب بتزويج الوهم توأمة العقل التي هي العاقلة العلمية لتتسلط عليه بالقياسات العقلية البرهانية وتدّربه بالرياضات الإذعانية والسياسات الروحانية ، وتسخّره للعقل فيطيع أب القلب ، ويحسن إليه ، ويبرّه بأنواع الرجاء الصادقة ويعينه في الأعمال الصالحة ويمتنع من عقوقه بالتسويلات والتزينات الشيطانية الفاسدة ، وإغراء النفس عليها بالهيئات الفاسقة والأفعال السيئة ، وتزويج العقل توأمة الوهم ليجعلها صالحة ويمنعها عن شهوات التخيلات الفاسدة وتهيج أحاديث النفس الكاذبة فيستريح أبوها منها ويستعملها في المعقولات والمحسوسات والمعاني الكلية والجزئية ، فتصير مفكرة عاملة في تحصيل العلوم فينتفع أبوها. فحسد قابيل الوهم هابيل العقل لكون توأمته أجمل عنده وأحب لمناسبتها إياه ، فأمر أبوهما القلب بأن يقرب كل واحد منهما قربانا أي : نسكا يتقرّب به إلى الله بإفاضة النتيجة وإفناء صورة القياس وقبول الصورة المعقولة الكلية المطابقة لما في نفس الأمر التي هي نسيكته التي يتقرّب بها إلى الله منه ، وعدم قبول قربان الوهم الذي هو صورة المغالطة أو الصورة الموهومة الجزئية امتناع اتصال العقل به بإفاضة النتيجة إذ لا نتيجة لها أو امتناع قبول الصورة الوهمية إذ لا تطابق ما في نفس الأمر فزاد حسده عليه.
(قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) أي : لما زاد قرب العقل من الله وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته كان الوهم أحرص على إبطال عمله ومنعه عن فعله كما ترى في التشكيكات الوهمية ومعارضاته العقل في تحصيل المطالب النظرية العميقة الغور وقتله عبارة عن منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الذي به حياة العقل عنه (مِنَ الْمُتَّقِينَ) الذين يتخذون الله وقاية في صدور الخيرات منهم أو يحذرون آثام الهيئات المظلمة البدنية والأكاذيب الباطلة والأضاليل