(سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١) لأنّ مراتب الأرواح مختلفة في القرب والبعد من الهوية الإلهية. وكل من كان أبعد فإيمانه بواسطة من تقدّمه في الرتبة ، وأهل الوحدة كلهم في المرتبة الإلهية أهل الصف الأول فكان إيمانهم بلا واسطة وإيمان غيرهم بواسطتهم الأقدم فالأقدم ، وكل من كان إيمانه بلا واسطة فهو أول من آمن وإن كان متأخر الوجود بحسب الزمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : «نحن الآخرون السابقون».
فلا يقدح اتباعه لملّة إبراهيم في سابقيته لأن معنى الاتباع هو السير في طريق التوحيد مثل سيره في الزمان الأول. ومعنى أوليته كونه في الصف الأول مع السابقين.
[١٨ ـ ٢١] (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) بإفنائهم ذاتا وصفة وفعلا بذاته وصفاته وأفعاله ، فيكون قهره عين لطفه كما لطف بهم بإيجادهم وتمكينهم وإقدارهم على أنواع التمتعات وهيأ لهم ما أرادوا من أنواع النعم والمشتهيات فحجبوا بها عنه وذلك عين قهره. فسبحان الذي اتسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته واشتدّت نقمته على أعدائه في سعة رحمته (وَهُوَ الْحَكِيمُ) يفعل ما يفعل من القهر الظاهر المتضمن للطف الواسع أو اللطف الظاهر المتضمن للقهر الكامل بالحكمة (الْخَبِيرُ) الذي يطلع على خفايا أحوالهم واستحقاقها للطف والقهر (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بإثبات وجود غيره (أَوْ كَذَّبَ) بصفاته بإظهار صفات نفسه ، فأشرك به. وغاية الظلم الشرك بالله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) لاحتجابهم بما وضعوه في موضع ذات الله وصفاته.
[٢٢ ـ ٢٣] (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣))
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) في عين جمع الذات (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بإثبات الغير (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) لفناء الكل في التجلي الذاتي (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) عند تجلية الحال وبروز الكل للملك القهّار نهاية شركهم وعاقبته (إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) لامتناع وجود شيء نشركه بالله.
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٣.