[٢٤ ـ ٢٦] (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦))
(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بافتراء الوجود والصفات لها وضاع (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) فلم يجدوه شيئا بل وجدوه لا شيء سوى المفتري أو كذبوا على أنفسهم بنفي الشرك عنها مع رسوخ ذلك الاعتقاد فيها.
[٢٧ ـ ٢٩] (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨) وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩))
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى) نار الحرمان والتعذّب بهيئات نفوسهم المظلمة واستيلاء صور المفتريات عليهم في العذاب (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) من تجليات صفاته (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الموحدين ، لكان ما لا يدخل تحت الوصف (بَلْ بَدا) ظهر (لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ) من العقائد الفاسدة والصفات المهلكة والهيآت المظلمة ببروزهم لله وانقلاب باطنهم ظاهرا ، فتعذبوا به (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) لرسوخ تلك الاعتقادات والملكات فيهم (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في الدنيا والآخرة لكون الكذب ملكة راسخة فيهم.
[٣٠] (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠))
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) في القيامة الكبرى وهو تصوير لحالهم في الاحتجاب والبعد وإلا لم يكن ثم قول ولا جواب ، لحرمانهم عن الحضور والشهود ، وإن كانوا في عين الجمع المطلق.
واعلم أن الوقف على الشيء غير الوقوف معه ، فإن الوقوف مع الشيء يكون طوعا ورغبة ، والوقف على الشيء لا يكون إلا كرها ونفرة ، فمن وقف مع الله بالتوحيد كمن قال :
وقف الهوى من حيث أنت فليس |
|
لي متأخر عنه ولا متقدّم |
لا يوقف للحساب ، بل هو من أهل الفوز الأكبر الذين قال فيهم : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (١) ، (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٢)
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٢٨.
(٢) سورة الأنعام ، الآية : ٥٢.