التكذيب والعناد ، وعلى ما سمعوا من الرسل إلزاما لهم وإثباتا لعدم امتناعهم عن الرسل لأنهم محجوبون في مقام النفس ، وأنّي لهم اليقين؟ ومن أين لهم الاطلاع على مشيئة الله؟.
[١٤٩ ـ ١٥٠] (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠))
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أي : إن كان ظنكم صدقا في تعليق شرككم بمشيئة الله فليس لكم حجة على المؤمنين وعلى غيركم من أهل دين ، لكون كل دين حينئذ بمشيئة الله ، فيجب أن توافقوهم وتصدّقوهم بل لله الحجة عليكم في وجوب تصديقهم وإقراركم بأنكم أشركتم بمن لا يقع أمر إلا بإرادته ما لا أثر لإرادته أصلا فأنتم أشقياء في الأزل ، مستحقون للبعد والعقاب (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : بلى صدقتم ، ولكن كما شاء كفركم لو شاء لهداكم كلكم ، فبأي شيء علمتم أنه لم يشأ هدايتكم حتى أصررتم؟ وهذا تهييج لمن عسى أن يكون له استعداد منهم فيقمع ويهتدي فيرجع عن الشرك ويؤمن.
[١٥١ ـ ١٥٢] (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢))
(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) لما أثبت أن المشركين في التحريم والتحليل يتّبعون أهواءهم ، إذ الشرك في نفسه ليس إلا عبادة الهوى والشيطان. فلما احتجبوا بصفات النفس عن صفات الحق ، وأمّروا عليهم الهوى وعبدوه وأطاعوا أوامره ونواهيه في التحريم والتحليل ، بيّن أن التحريم والتحليل المتّبع فيهما أمر الله تعالى ما هما ، ولما كان الكلام معهم في تحريم الطيبات عدّد المحرمات ليستدل بها على المحللات فحصر جميع أنواع الفضائل بالنهي عن أجناس الرذائل وابتدأ بالنهي عن رذيلة القوة النطقية التي هي أشرفها. فإن رذيلتها أكبر الكبائر ، مستلزمة لجميع الرذائل ، بخلاف رذيلة أخويها من القوّتين البهيمية والسبعية فقال : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) إذ الشرك من خطئها في النظر وقصورها عن استعمال العقل ودرك البرهان وعقّبه بإحسان الوالدين ، إذ معرفة حقوقهما تتلو معرفة الله في الإيجاد والربوبية لأنهما سببان قريبان في الوجود والتربية وواسطتان جعلهما الله تعالى مظهرين لصفتي إيجاده