وربوبيته ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «من أطاع الوالدين فقد أطاع الله ورسوله». فعقوقهما يلي الشرك ولا يقع الجهل بحقوقهما إلا عن الجهل بحقوق الله تعالى ومعرفة صفاته ، ثم بالنهي عن قتل الأولاد خشية الفقر ، فإن ارتكاب ذلك لا يكون إلا عن الجهل والعمى عن تسبيبه تعالى الرزق لكل مخلوق وأن أرزاق العباد بيده يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. والاحتجاب عن سرّ القدر ، فلا يعلم أن الأرزاق مقدّرة بإزاء الأعمار كتقدير الآجال ، فأولاها لا تقع إلا من خطئها في معرفة ذات الله تعالى ، والثانية من خطئها في معرفة صفاته ، والثالثة من معرفة أفعاله فلا يرتكب هذه الرذائل الثلاث إلا منكوس ، محجوب عن ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله وهذه الحجب أم الرذائل وأساسها. ثم بيّن رذيلة القوة البهيمية لأن رذيلتها أظهر وأقدم ، فقال : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) من الأعمال القبيحة الشنيعة عند العقل (ما ظَهَرَ مِنْها) كالزنا في الحانات ، وشرب الخمر وأكل الربا (وَما بَطَنَ) كقصد هذه الفواحش المذكورة ونيتها والهمّ بها وإخفائها كالسرقة وارتكاب المحظورات في الخفية.
ثم أشار إلى رذيلة القوّة السبعية بقوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) أي : بالقصاص والكفر ، وختم الكلام بقوله : (ذلِكُمْ) أي : الاجتناب عن أجناس رذائل النفوس الثلاث (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي : لا تجتنبها إلا العقلاء ومن ارتكبها فلا عقل له. ثم أراد أن يبين أن الرذائل الثلاث مستلزمة باجتماعها رذيلة الجور التي هي أعظمها وجماعها كما أنّ فضائلها تستلزم العدالة التي هي كمالها والشاملة لها فقال : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) بوجه من الوجوه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) إلا بالخصلة التي هي أحسن من حفظه وتثميره (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) فينتفع به ، لا بالأكل والإنفاق في مآربكم والإتلاف فإنه أفحش. ولما بيّن تحريم أجناس الرذائل الأربع بأسرها على التفصيل أمر بإيجاب الفضائل الأربع بالإجمال ، إذ تفصيل الرذائل يغني عن تفصيل مقابلاتها وذلك أنها مندرجة بأسرها في العدالة فأمر بها في جميع الوجوه فعلا وقولا وقال : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أي : حافظوا على العدل فيما بينكم وبين الخلق مطلقا (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) أي : لا تقولوا إلا الحق (وَلَوْ كانَ) المقول فيه (ذا قُرْبى) فلا تميلوا في القول له أو عليه إلى زيادة أو نقصان (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) أي : بالتوحيد والطاعة وكل ما بينكم وبين الله من لوازم العهد السابق بالعقد اللاحق. ولما كان سلوك طريقة الفضيلة التي هي طريقة الوحدة والتوجه إلى الحق صعبا ، كما قيل : أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف ، وخصوصا في الأفعال إذ مراعاة الوسط فيها بلا ميل ما إلى طرف الإفراط والتفريط في غاية الصعوبة. قال بعد قوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) فبين أنه جمع في هذا المقام بين النهي عن جميع الرذائل والأمر بجميع الفضائل كلها بحيث لا يخرج منها جزئي ما من جزئياتها ، ولهذا قال ابن عباس رضي