(عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي : كل مقام سجود أو وقت سجود ، والسجود أربعة أقسام : سجود الانقياد والطاعة وإقامة الوجه فيه بالإخلاص ، والاجتناب عن الرياء والنفاق في العمل لله ، والالتفات إلى الغير فيه ، ومراعاة موافقة الأمر مع صدق النية والامتناع عن المخالفة في جميع الأمور وهي العدالة وسجود الفناء في الأفعال وإقامة الوجه فيه بالقيام بحقه بحيث لا يرى هو مؤثرا غير الله ولا يرى مؤثرا من نفسه ولا من غيره ، وسجود الفناء في الصفات ، وإقامة الوجه عنده بالمحافظة على شرائطه بحيث لا يرى زينة ذاته بها ولا يريد ولا يكره شيئا من غير أن يميل إلى الإفراط بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا إلى التفريط بالتسخط على المخالف وسجود الفناء في الذات ، وإقامة الوجه عنده بالغيبة عن البقية ، والانطماس بالكلية والامتناع عن إثبات الإنية والإثنينية فلا يطغى بحجاب الأنانية ولا يتزندق بالإباحة وترك الطاعة. (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) في المقام الأول بتخصيص العمل لله به ، وفي الثاني والثالث برؤية الدين والطاعة من الله ، وفي الرابع برؤيته بالله ، فيكون الله هو المتدين بدينه ليس لغيره فيه نصيب (كَما بَدَأَكُمْ) بإظهاركم واختفائه (تَعُودُونَ) بفنائكم فيه واختفائكم ليظهر.
(فَرِيقاً هَدى) إليهم بهذا الطريق (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ) كلمة (الضَّلالَةُ) بسبب اتخاذهم شياطين القوى النفسانية الوهمية والتخيلية (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) لمناسبة ذواتهم في الظلمة والكدورة والبعد عن معدن النور إياهم ، والجنسية التي بينهم في الركون إلى الجهة السفلية ، والميل إلى الزخارف الطبيعية (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) لأنّ سلطان الوهم بالحسبان.
[٣١ ـ ٣٢] (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢))
(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي : لازموها وتمسكوا بها ، فزينة المقام الأول من السجود هي الإخلاص في العمل لله ، وزينة المقام الثاني هي التوكل ومراعاة شرائطه ، وزينة المقام الثالث هي القيام بحق الرضا ، وزينة المقام الرابع هي التمكين في التحقق بالحقيقة الحقيّة ومراعاة حقوق الاستقامة وشرائطها (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) بالمحافظة على قانون العدالة فيها (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) أي : من منعهم من جنس هذه الزينة المذكورة المطلقة وقال إنه لا يمكنهم التزين بها واستحال ذلك منهم تمسكا بأن الله مانعهم. (وَالطَّيِّباتِ) من رزق علوم الإخلاص وعلوم مقام التوكل والرضا والتمكين (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) عن شوب التلوينات وظهور شيء من بقايا الأفعال والصفات والذات.