الأعمال من الأبرار والزهاد والعباد الذين جنتهم جنة النفوس ، وإلا فأهل جنة القلوب والأرواح لا يحجبون عن أصحاب النار (وَعَلَى الْأَعْرافِ) أي : على أعالي ذلك الحجاب الذي هو حجاب القلب الفارق بين الفريقين هؤلاء عن يمينه وهؤلاء عن شماله (رِجالٌ) هم العرفاء أهل الله وخاصته (يَعْرِفُونَ كُلًّا) من الفريقين (بِسِيماهُمْ) يسلمون على أهل الجنة بإمداد أسباب التزكية والتحلية والأنوار القلبية وإفاضة الخيرات والبركات عليهم ، لم يدخلوا الجنة لتجرّدهم عن ملابس صفات النفوس وطيباتها وترقيهم عن طورهم فلا يشغلهم عن الشهود الذاتي ومطالعة التجلي الصفاتي نعيم (وَهُمْ) أي : أصحاب الجنة (يَطْمَعُونَ) في دخولهم ليقتبسوا من نورهم ويستضيئوا بأشعة وجوههم ، ويستأنسوا بحضورهم.
[٤٧ ـ ٥١] (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١))
(وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) أي : لا ينظرون إليهم طوعا ورأفة ورحمة ورضا ، بل كراهة واعتبارا كان صارفا صرف أبصارهم إليهم (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، كما قال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : «أعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى». وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم ثبت قلبي على دينك» ، فقيل له : أما غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال صلىاللهعليهوسلم : «أو ما يؤمنني أنّ مثل القلب كمثل ريشة في فلاة ، تقلبها الرياح كيف شاءت».
[٥٢ ـ ٥٣] (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣))
(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) أي : البدن الإنساني المفصل إلى أعضاء وجوارح وآلات وحواس تصلح للاستكمال على ما يقتضيه العلم الإلهي وتأويله ما يؤول إليه أمره في العاقبة من الانقلاب إلى ما لا يصلح لذلك عند البعث من هيئات وصور وأشكال