إعدادات
تفسير ابن عربي [ ج ١ ]
تفسير ابن عربي [ ج ١ ]
المؤلف :محي الدين بن علي بن أحمد بن عبدالله الطائي الحاتمي [ ابن العربي ]
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الصفحات :415
تحمیل
بزخرفها من ماء المطر ثم فسادها ببعض الآفات سريعا قبل الانتفاع بنباتها ثم تتبعها الشقاوة الأبدية والعذاب الأليم الدائم. وفي الحديث : أسرع الخير ثوابا صلة الرحم ، وأعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة ، لأن صاحبه تتراكم عليه حقوق الناس فلا تحتمل عقوبته المهل الطويل الذي يحتمله حق الله تعالى. وقد سمعت بعض المشايخ يقول : قلما يموت الظالم حتف أنفه وقلما يبلغ الفاسق أوان الشيخوخة ، وذلك لمبارزتهما لله تعالى في هدم النظام المصروف عنايته تعالى إلى ضبطه ومخالفتهما إياه في حكمته وعدله.
[٢٥] (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥))
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) يدعو الكل إلى دار سلام العالم الروحاني الذي لا آفة فيه ولا نقص ولا فقر ولا فناء بل فيه السلامة عن كل عيب والأمان من كل خوف (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) من جملتهم من أهل الاستعداد (إِلى) صراط الوحدة.
[٢٦ ـ ٢٨] (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨))
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي : جاءوا بما يحسن به حالهم من خير فعليّ أو قوليّ أو علميّ مما هو سبب كمالهم المثوبة (الْحُسْنى) من الكمال الذي يفيض عليهم بسبب ذلك الخير (وَزِيادَةٌ) مرتبة مما كان قبله بالترقي أو زيادة في استعداد قبول الخيرات والكمالات بانضمام هذا الكمال والنور الفائض عليهم إلى استعدادهم الأول على ما ذكر (وَلا يَرْهَقُ) وجوه قلوبهم غبار من كدورات صفات النفس وقيام غلباتها (وَلا ذِلَّةٌ) من ميل قلوبهم إلى الجهة السفلية.
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) التي يقتضيها حالهم وارتقاؤهم من الجنان المذكورة (هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَالَّذِينَ كَسَبُوا) أجناس (السَّيِّئاتِ) من أعمال وأقوال وعقائد تحجب استعدادهم عن قبول الكمال (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) من الهيئة التي ارتكبت على قلوبهم من سيئاتهم فمنعتها الصفاء والنور (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) الميل إلى الجهة السفلية (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) يعصمهم من تلك الذلة والخذلان لوجود الحجاب وعدم قبول هذه العصمة لثبوت الكدورة (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ) لفرط ارتكاب الهيئة المظلمة من الميول الطبيعية والأعمال الرديّة عليها.