(أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) التي يقتضيها حالهم في التسفل من نيران الآثار والأفعال (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) في المجمع الأكبر عين جمع الوجود المطلق (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) منهم أي : المحجوبين الواقفين مع الغير بالمحبة والطاعة (مَكانَكُمْ) أي : الزموا مكانكم (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) ومعناه : وقفوا مع ما وقفوا معه في الموقف مع قطع الوصل والأسباب التي هي سبب محبتهم وعبادتهم وتبرّؤ المعبود من العابد لانقطاع الآلات البدنية والأغراض الطبيعية التي توجب تلك الوصل وهو معنى قوله : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي : مع كونهم في الموقف معا فرقنا بينهم في الوجهة وذلك عند علوّ رتبة المعبود ودنوّ رتبة العابد وتباين حاليهما إذا كان المعبود شريفا كالملائكة والمسيح وعزير وأمثالهم ممن له السابقة عند الله كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١)) (١). (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) بل تعبدونالشيطان بطاعتكم إياه وما اخترعتموه في أوهامكم من أباطيل فاسدة وأماني كاذبة.
[٢٩ ـ ٣٦] (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣))
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) إلى آخره ، أي : الله يعلم أنّا ما أمرناكم بذلك وما أردنا عبادتكم إيانا (هُنالِكَ) أي : عند ذلك الموقف تختبر وتذوق (كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) في الدنيا (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) في موقف الجزاء بالانقطاع عن الآلهة وانفرادهم عنها (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) المتولي جزاءهم بالعدل والقسط (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من اختراعاتهم وأصول دينهم ومذهبهم وتوهماتهم الكاذبة وأمانيهم الباطلة.
[٣٧ ـ ٣٨] (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨))
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠١.