(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ) اختلاقا (مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من اللوح المحفوظ (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) الذي هو الأمّ كقوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)) (١) أي : كيف يكون مختلقا وقد أثبت قبله في كتابين من علم مفصلا كما هو في اللوح المحفوظ ومجملا في أمّ الكتاب الذي هذا تفصيله.
[٣٩ ـ ٤٢] (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢))
(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) أي : لما جهلوا كيفية ثبوته في علم الله ونزوله على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وقصر علمهم عن ذلك كذبوا به (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي :ظهور ما أشار إليه في مواعيده وأمثاله مما يؤول أمره وعلمه إليه فلا يمكنهم التكذيب لأنه إذا ظهرت حقائقه لا يمكن لأحد تكذيبه ، مثل ذلك التكذيب العظيم (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ) عاقبتهم لما ظلموا بالتكذيب (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أي : سيؤمن به لرقة حجابه (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) أبدا لغلظ حجابه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ولكن لا يفهمون إما لعدم الاستعداد في الأصل وإما لرسوخ الهيئات المظلمة الحاجبة لنور الاستعداد فيهم وإما لاجتماع الأمرين كالأصم الذي لا عقل له فلا يسمع ولا يتفطن للإشارة ، فكيف يمكن إفهامه.
[٤٣] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣))
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) ولكن لا يبصر الحق ولا حقيقتك لأحد الأمرين المذكورين أو كليهما كالأعمى الذي انضمّ إلى فقدان بصره فقدان البصيرة فلا يبصر ولا يستبصر فكيف تمكن هدايته.
[٤٤] (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤))
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) لما ذكر الصمم والعمى اللذين يدلان على عدم استعداد الإدراك أشعر الكلام بوقوع الظلم لوجود الاستعداد لبعض وعدمه لبعض فسلب الظلم عن نفسه لأن عدم الاستعداد في الأصل ليس ظلما لعدم إمكان ما هو أجود منه بالنسبة إلى
__________________
(١) سورة الزخرف ، الآية : ٤.