خصوصية ذلك وهويته فكان عينه مقتضيا له في رتبة من مراتب الإمكان كما لا يمكن للحمار مع حماريته استعداد الإدراك الإنساني وكان عينه مستدعيا لما هو عليه من الاستعداد الحماري ولا يطلب منه وراء ما في استعداده فلا ظلم هذا إذا لم يكن في الأصل وأما إذا بطل برسوخ الهيئات المظلمة فلا كلام فيه وكلاهما ظالم لنفسه. أما الأول فلقصوره في درجات الإمكان ونقصانه بالإضافة إلى ما فوقه كقصور الحمار مثلا عن الإنسان ونقصانه بالإضافة إليه لا في نفسه فإنه في حدّ نفسه ليس بقاصر ولا ناقص. وأما الثاني فظاهر وعلى هذا معنى (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ينقصون حظها ، أو إن الله لا يظلم الناس شيئا بأن يطلب منهم ما ليس في استعدادهم فيعاقبهم على ذلك ولكن الناس أنفسهم يظلمون فيستعملون استعداداتهم فيما لم تخلق لأجله.
[٤٥ ـ ٤٦] (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦))
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) لعدم إحساسهم بالحركة المستلزم لذهولهم عن الزمان إذ الذاهل عن الحركة ذاهل عن الزمان ، فسواء عندهم الساعة الواحدة والدهور المتطاولة (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) بحكم سابقة الصحبة وداعية الهوى اللازمة للجنسية الأصلية بدلالة التشاؤم ثم إن بقيت الجنسية الأصلية والمناسبة الفطرية لاتحادهم في الوجهة واتفاقهم في المقصد بقي التعارف بينهم ، وإن لم يبق بسبب اختلاف الأهواء وتباين الآراء وتفاوت الهيئات المستفادة من لواحق النشأة وعوارض المادة انقلب إلى التناكر (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) لوقوعهم في وحشة التناكر حينئذ واحتجابهم بحجب عاداتهم الفاسقة وهيئات اعتقاداتهم الفاسدة (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) وبطل نور استعدادهم فلا يهتدون إلى الله ولا إلى التعارف فخسئوا مبغوضين مطرودين لا يألفون أنيسا ولا يؤوون أليفا.
[٤٧] (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧))
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) يجانسهم في الأحوال النفسانية ليمكن بينهم الألفة الموجبة للاستفادة منه ويمكنه النزول إلى مبالغ عقولهم ومراتب فهومهم فيزكيهم بما يصلح أحوالهم ويكشف حجبهم ويعلمهم بما يوجب ترقيهم عن مقاماتهم ويهديهم إلى الله ، (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ) بهداية من اهتدى منهم وضلالة من ضلّ وسعادة من سعد وشقاوة من شقي لظهور ذلك بوجوده وطاعة بعضهم إياه لقربه منه وإنكار بعضهم له لبعده عنه (بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل الذي هو الغالب على حال النبي لكونه ظاهر توحيده وسيرته وطريقته (وَهُمْ لا