انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) من سائر القوى الحيوانية كالغضبية والشهوانية وأمثالهما (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى مقام الاسترباح والامتيار من قوت المعاني والعلوم النافعة بتلك البضاعة (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ) بتصفية الاستعداد والتمرّن بهيئات الفضائل اقتضوه إرسال القوة العاقلة العملية معهم لإمدادهم في فضائل الأخلاق بالمعاني دائما ، أي : استمدّوا من فيضه (نَكْتَلْ) أي : نستفد منه وإنا لا نستنزله إلى تحصيل مطالبنا فنهلكه كما فعلنا حالة الجاهلية بأخيه بل نحفظه بالتعهد له ومراعاته في طريق الكمال. وأخذ العهد منهم في إرساله معهم واستيثاقه عبارة عن تقديم الاعتقاد الصحيح الإيماني على العمل وإلزامهم ذلك العقد أولا وإلا لم يستقم حالهم في العمل ولم ينجع.
(لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) أي : لا تسلكوا طريق فضيلة واحدة كالسخاوة مثلا دون الشجاعة أو لا تسيروا على وصف واحد من أوصاف الله تعالى فإن حضرة الوحدة هي منشأ جميع الفضائل والذات الأحدية مبدأ جميع الصفات ، فاسلكوا طرق جميع الفضائل المتفرّقة حتى تتصفوا بالعدالة فتتطرّقوا إلى الحضرة الواحدية ، وسيروا على جميع الصفات حتى يكشف لكم عن الذات. وقد ورد في الحديث : إن الله تعالى يتجلى على أهل المذاهب يوم القيامة في صورة معتقدهم فيعرفونه ثم يتحوّل إلى صورة أخرى فينكرونه (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : لا أدفع عنكم شيئا إن منعكم توفيقه وحجبكم ببعض الحجب عن كمالاتكم فإن العقل ليس إليه إلا إفاضة العلم لا إجادة الاستعداد ورفع الحجاب.
[٦٨ ـ ٧٦] (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦))
(وَلَمَّا دَخَلُوا) أي : امتثلوا أمر العقل بسلوك طرق جميع الفضائل لم يغن عنهم من جهة الله (مِنْ شَيْءٍ) أي : لم يدفع عنهم الاحتجاب بحجاب الجلال والحرمان عن لذة