الوصال لأن العقل لا يهتدي إلا إلى الفطرة ولا يهدي إلا إلى المعرفة. وأما التنوّر بنور الجمال ، والتلذذ بلذة الشوق بطلب الوصال ، وذوق العشق بكمال الجلال والجمال ، بل جلال الجمال وجمال الجلال فأمر لا يتيسر إلا بنور الهداية الحقانية (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ) هي تكميلهم بالفضيلة (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ) لتعليم الله إياه لا ذو عيان وشهود (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك فيحسبون الكمال ما عند العقل من العلم أو ناس الحواس لا يعلمون علم العقل الكلي (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) للتناسب بينهما في التجرّد (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) مشربته التي يكيل بها على الناس ، أي : قوة إدراكه للعلوم ليستفيد بها علوم الشرائع ويستنبط قوانين العدالة ، فإن العاقلة العملية تقوى على إدراك المعقولات عند التجرّد عن ملابس الوهم والخيال كما تقوى النظرية وهي القوة المدبرة لأمر المعاش المشوبة بالوهم في أول الحال.
ونسبته إلى السرقة لتعوّده بإدراك الجزئيات في محل الوهم من المعاني المتعلقة بالمواد وبعده عن إدراك الكليات ، فلما تقوّى عليها بالأوي إلى أخيه واستفادته منه تلك القوة بالتجرّد فكأنه قد سرق ولم يسرق. والمؤذن الذي نسبهم إلى السرقة هو الوهم لوجدان الموهم تغير حال الجميع عما كانت عليه ، وعدم مطاوعتها له وتوهمه لذلك نقصا فيهم.
والحمل الموعود لمن يجيئ بالصواع ، وهو التكليف الشرعي الذي يحصل بواسطة العقل العملي عند استفادته علم ذلك من القلب ، والصواع هو القوة الاستعدادية التي يحصل بها علمه. والفاقد لها المفتش لمتاعهم ، المستخرج إياها من رحل أخيه هو الفكر الذي بعثه القلب لهذا الشأن. ولما كان دين روح القدس تحقق المعارف والحقائق النظرية مما لا يتعلق بالعمل (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ) بالبعث على العمليات والاستعمال على الفضائل (فِي دِينِ الْمَلِكِ) لأن دينه العلم وعلمه التعقل (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي : وقت تنوّر النفس بنور القلب المستفاد منه وتفسح الصدر القابل للعمليات وذلك هو رفع الدرجات ، لأن النفس حينئذ ترتفع إلى درجة القلب والقلب إلى درجة الروح في مقام الشهود (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ) كالقوى (عَلِيمٌ) كالعقل العملي وفوقه القلب وفوقه العقل النظري وفوقه الروح وفوقه روح القدس والله تعالى فوق الكل ، علّام الغيوب كلها.
[٧٧ ـ ٨٢] (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ