كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢))
ومعنى : (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) أن القلب استعدّ لهذا المعنى من قبل دون القوى ، فبقوا منكرين لهما ، متهمين إياهما عند أبيهما لتحصيل مطالبهما وطلب لذة وراء ما يطلبونها. وقيل : كان لإبراهيم صلوات الله عليه وسلامه منطقة يتوارثها أكابر أولاده ، فورثها من إسحاق عمة يوسف لكونها كبرى من أولاده ، وقد حضنته بعد وفاة أمّه راحيل ، فلما شبّ أراد يعقوب انتزاعه منها ، فلم تصبر عنه ، فحزمت المنطقة تحت ثيابه عليهالسلام ثم قالت : إني فقدت المنطقة ، فلما وجدت عليه سلّم لها وتركه يعقوب عندها حتى ماتت. وهي إشارة إلى مقام الفتوّة التي ورثها من إبراهيم الروح قبل مقام الولاية وقت شبابه. وقد حزمتها عليه النفس المطمئنة التي حضنتها وقت وفاة راحيل اللوّامة. وإرادة انتزاع يعقوب إياه منها إشارة إلى أن العقل يريد الترقي إلى كسب المعارف والحقائق ، وإذا وجده موصوفا بالفضائل في مقام الفتوّة رضي به ، وتركه عند النفس المطمئنة سالكا في طريق الفضائل حتى توفيت بالفناء في الله في مقام الولاية والله أعلم.
وإسرار يوسف في نفسه كلمته علمه بقصورهم عن إدراك مقامه ونقصانهم عن كماله ، وهي قوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) والذي اقترح أن يأخذه يوسف القلب مكان أخيه العقل العملي هو الوهم لمداخلته في المعقولات ، وشوقه إلى الترقي إلى أفق العقل ، وحكمه فيها لا على ما ينبغي وميلهم إلى سياسته إياهم دون العقل العملي للتناسب الذي بينهم في التعلق بالمادة ونزوعه إلى تحصيل مآربهم من اللذات البدنية. ولما وجد القلب متاعه من إدراك المعاني المعقولة عند العقل العملي دون الوهم (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا) إن أخذنا الوهم مكانه وآويناه إلينا وألقينا إليه ما ألقينا إلى أخينا كنا مرتكبين الظلم العظيم لوضعنا الشيء في غير محله ـ ويأسهم منه شعورهم بعدم تكفيل الوهم إياهم وتمتيعهم بدواعيه وحكمه ـ وكبيرهم الذي ذكرهم موثق أبيهم الذي هو الاعتقاد الإيماني ، وتفريطهم في يوسف عند حكومة الوهم هو الفكر ، ولهذا قال المفسرون : هو الذي كان أحسنهم رأيا في يوسف ومنعهم عن قتله.
وقوله : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) أي : لا أتحرك إلا بحكم العقل دون الوهم إلى أن أموت ، وأمرهم بالرجوع إلى أبيهم سياسته إياهم بامتثال الأوامر العقلية (وَما