(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) من في قوى نفوسهم أو من اقتدى بطريقتهم وتأسى بهم وتابعهم في ذلك (دارَ الْبَوارِ).
[٣٠ ـ ٣١] (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١))
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) من متاع الدنيا وطيباتها ومشتهياتها يحبونها كحبّ الله ، إذ كل ما غلب حبه فهو معبود. قال الله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) (١) إلخ ، (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) كل من نظر إليهم من الأحداث المستعدّين ومن دان بدينهم. (قُلْ تَمَتَّعُوا) أي : اذهبوا فيه بأمر الوهم فإنّ تمتعكم قليل سريع الزوال ، وشيك الفناء ، وعاقبته وخيمة بالمصير إلى النار.
[٣٢ ـ ٣٤] (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤))
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ) سموات الأرواح وأرض الجسد (وَأَنْزَلَ مِنَ) سماء عالم القدس ماء العلم (فَأَخْرَجَ بِهِ) من أرض النفس ثمرات الحكم والفضائل (رِزْقاً لَكُمْ) وتقوى القلب بها (وَسَخَّرَ لَكُمُ) أنهار العلم بالاستنتاج والاستنباط والتفريع والتفصيل (وَسَخَّرَ لَكُمُ) شمس الروح وقمر القلب (دائِبَيْنِ) في السير بالمكاشفة والمشاهدة (وَسَخَّرَ لَكُمُ) ليل ظلمة صفات النفس ونهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد والراحة والاستنارة (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) بألسنة استعداداتكم ، فإنّ كل شيء يسأله بلسان استعداده كمالا يفيض عليه مع السؤال بلا تخلف وتراخ كما قال تعالى : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)) (٢).
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) من الأمور السابقة على وجودكم الفائضة من الحضرة الإلهية ومن اللاحقة بكم من أمداد التربية الواصلة عن الحضرة الربوبية (لا تُحْصُوها) لعدم تناهيها كما تقرّر في الحكمة (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) بوضع نور الاستعداد ومادة البقاء في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها ، أو بنقص حقّ الله أو حق نفسه بإبطال الاستعداد (كَفَّارٌ) بتلك النعم التي لا تحصى باستعمالها في غير ما ينبغي أن تستعمل وغفلته عن المنعم عليه بها واحتجابه بها عنه.
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٤.
(٢) سورة الرحمن ، الآية : ٢٩.