متوجه إلى مالك الملك ، منعم الكل ، منيع القوى والقدر ، فأكسب نفسه القوة والتأثير والقدرة منه ، وتأثر منه الأكوان والأجرام وأطاعه الملك والملكوت كما أوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام :«يا دنيا اخدمي من خدمني ، وأتعبي من خدمك». ثم إذا ربت همّته الشريفة عن الأكوان ولم تقف بمحبته مع غير الله ولم يلتفت إلى ما سواه زدنا في رزقه فآتيناه صفاتنا ومحونا عنه صفاته ، فعلمناه من لدنا علما وأقدرناه بقدرتنا ، كما قال تعالى :«لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به»، الحديث. (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) ينفق من النعم الباطنة كالعلم والحكمة سرّا ، ومن الظاهرة جهرا ، أو ينفق من كلتيهما سرّا كالذي يصل إلى الناس من غير تسببه لوصوله ظاهرا وهو في الحقيقة منه وصل لأنه حينئذ واسطة الوجود الإلهي ووكيل حضرته وجهرا كالذي يتسبب هو بنفسه ظاهرا لوصوله (هَلْ يَسْتَوُونَ) استفهام بطريق الإنكار وكذا المشرك كالأبكم الذي لم يكن له استعداد النطق في الخلقة لأنه ما استعدّ للإدراك والعقل الذي هو خاصية الإنسان ، فيدرك وجوب وجود الحق تعالى وكماله وإمكان الغير ونقصانه فيتبرأ عن غيره ويلوذ به عن حول نفسه وغيره وقوّتهما.
(لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) لعدم استطاعته وقصور قوته للنقص اللازم لاستعداده (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) لعجزه بالطبع عن تحصيل حاجته ، فهو عبد بالطبع محتاج ، متذلّل للغير ، ناقص عن رتبة كل شيء لكونه أقل من لا شيء ، فإن الممكن الذي يعبده ليس بشيء سواء كان ملكا أو ملكا أو فلكا أو كوكبا أو عقلا أو غيرها (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) لعدم استعداده وشرارته بالطبع فلا يناسب إلا الشرّ الذي هو العدم فكيف يأتي بالخير (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ) والموحد القائم بالله ، الفاني عن غيره حتى نفسه يقوم بالحق ، ويعامل الخلق بالعدل ، ويأمر بالعدل ، لأن العدل ظلّ الوحدة في عالم الكثرة فحيث قام بوحدة الذات وقع ظله على الكل ، فلم يكن إلا آمرا بالعدل (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : صراط الله الذي عليه خاصته من أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبيعة لأهل الحقيقة يمرّون عليه كالبرق اللامع.
[٧٧ ـ ٧٨] (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨))
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ولله علم الذي خفي في السموات والأرض من أمر القيامة الكبرى ، أو علم مراتب الغيوب السبعة التي أشرنا إليه من غيب الجنّ والنفس والقلب والسرّ والروح والخفي وغيب الغيوب أو ما غاب من حقيقتهما أي : ملكوت عالم