(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) أي : تتعلق إرادته ببعثكم فتنبعثون في أقرب من طرفة عين حامدين له بحياتكم وعلمكم وقدرتكم وإرادتكم حمدا واصفين له بالكمال بإظهار هذه الكمالات (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي : في القبور والمضاجع لذهولكم عن الزمان كما يجيئ في قصة أصحاب (الكهف) أو في الحياة الأولى لاستقصاركمإياها بالنسبة إلى الحياة الآخرة فيتناول اللفظ القيامات الثلاث ، إلا أن الآية السابقة ترجح الصغرى.
[٦٤ ـ ٦٩] (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩))
(وَاسْتَفْزِزْ) إلى آخره ، تمكن الشيطان من إغواء العباد على أقسام ، لأن الاستعدادات متفاوتة فمن كان ضعيف الاستعداد استفزه أي استخفه بصوته يكفيه وسوسة وهمس بل هاجسة ولمة ، ومن كان قويّ الاستعداد فإن أخلص استعداده عن شوائب الصفات النفسانية أو أخلصه الله تعالى عن شوائب الغيرية فليس له إلى إغوائه سبيل كما قال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) وإلا فإن كان منغمسا في الشواغل الحسيّة غارزا رأسه في الأمور الدنيوية شاركه في أمواله وأولاده بأن يحرضه على إشراكهم بالله في المحبة بحبهم كحب الله ويسوّل له التمتع بهم والتكاثر والتفاخر بوجودهم ويمنيه الأماني الكاذبة ويزين عليه الآمال الفارغة وإن لم ينغمس فإن كان عالما بصيرا بتسويلاته أجلب عليه بخيله ورجله ، أي : مكر به بأنواع الحيل وكاده بصنوف الفتن وأفتى له في تحصيل أنواع الحطام والملاذ بأنها من جملة مصالح المعاش وغره بالعلم وحمله على الإعجاب ، وأمثال ذلك ، حتى يصير ممن أضلّه الله على علم وإن لم يكن عالما بل عابدا متنسكا أغواه بالوعد والتمنية وغرّه بالطاعة والتزكية أيسر ما يكون (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي : عبادي الخالصة لا يكلون أمرهم إلا إلى الله وحده لا إلى الشيطان ولا إلى غيره ، وهو كافيهم بتدبير الأمور ولا يتوكلون إلا عليه بشهود أفعاله وصفاته.
[٧٠] (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠))