دون غيرهم لاستعدادهم للقراءة والفهم لأن الذي أوتي كتابه بشماله ، أي : من جهة النفس التي هي أضعف جانبيه لا يقدر على قراءة كتابه وإن كان مقروؤا لذهاب عقله وفرط حيرته (وَلا يُظْلَمُونَ) أي : لا ينقصون من صور أعمالهم وكمالاتهم وأخلاقهم شيئا قليلا.
[٧٢] (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢))
(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) عن الاهتداء إلى الحق (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) كذلك (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) مما هنا لأن له في هذه الحياة آلات وأدوات وأسبابا يمكنه الاهتداء بها وهو في مقام الكسب باقي الاستعداد إن كان ولم يبق هناك شيء من ذلك.
[٧٣ ، ٧٤] (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤))
(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) إلخ ، هو من باب التلوينات التي تحدث لأرباب القلوب بظهور النفس ولأرباب الشهود والفناء بوجود القلب ، فإنه عليهالسلام لفرط شغفه وحرصه على إيمانهم بوجود القلب كاد يميل إليهم في بعض مقترحاتهم ويرضى ببعض ما هو خلاف شريعته ، ويضيف إلى الله ما ليس منه طلبا للمناسبة التي كان يتوقع أن تحدث بينه وبينهم بذلك فيحبوه كما قال : (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) عسى أن يقبلوا قوله ويهتدوا به. واستمالة وتطييبا لقلوبهم عسى أن يلينوا وينزلوا عن شدّة إنكارهم فيرقّ حجابهم وتتنوّر قلوبهم ، فشدد وأقيم من عند الله ، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها : «كان خلقه القرآن» تعني أنه عليه الصلاة والسلام كلما ظهرت نفسه وهمّت بما ليس بفضيلة نبّه من عند الله وثبت بتنزيل آية تقوّمه وتردّه إلى الاستقامة حتى بلغ مقام التمكين ، وهذا وأمثاله من قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) (١) ، وقوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (٢) ، وقوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (٣) ، وقوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)) (٤) يدل على أنه كان أكثر سلوكه في الله بعد الوصول في زمان النبوة وزمان الوحي.
[٧٥ ـ ٧٧] (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧))
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٦٧.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٤٣.
(٣) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٧.
(٤) سورة عبس ، الآية : ١.