بعده حتى النوم إلا بذكر الله ، وحيث أمكن للشيطان سبيل إلى الوسوسة استحب ، فيما جعل علامة لها الجهر كصلاة النفس والقلب والسرّ للزجر ولا مدخل له في مقام الروح والخفاء فأمر بالإخفات.
[٧٩] (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩))
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي : خصّص بعض الليل بالتهجد (نافِلَةً لَكَ) زيادة على ما فرض خاصة بك ، لكونه علامة مقام النفس ، فيجب تخصيصه بزيادة الطاعة لزيادة احتياج هذا المقام إلى الصلاة بالنسبة إلى سائر المقامات فيقتدي بك السالكون من أمّتك في تطويع نفوسهم ويقوى تمكنك في مقام الاستقامة ، كماقال : «أفلا أكون عبدا شكورا». (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) أي : في مقام يجب على الكل حمده وهو مقام ختم الولاية بظهور المهدي ، فإن خاتم النبوّة في مقام محمود من وجه هو جهة كونه خاتم النبوة غير محمود من وجه هو جهة ختم الولاية ، فهو من هذا الوجه في مقام الحامدية فإذا تم ختم الولاية يكون في مقام محمود من كل وجه.
[٨٠] (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠))
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) حضرة الوحدة في عين الجمع (مُدْخَلَ صِدْقٍ) مدخلا حسنا مرضيا به بلا آفة زيغ البصر بالالتفات إلى الغير ولا الطغيان بظهور الأنانية ولا شوب الإثنينية (وَأَخْرِجْنِي) إلى الكثرة عند الرجوع إلى التفصيل بالوجود الموهوب الحقاني (مُخْرَجَ صِدْقٍ) مخرجا حسنا مرضيا به من غير آفة التلوين بالميل إلى النفس وصفاته ولا الضلال بعد الهدى بالانحراف عن جادّة الاستقامة والزيغ عن سنن العدالة إلى الجور كالفتنة الداودية (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) حجة ناصرة بالتثبيت والتمكين بأن أكون بك في الأشياء في حال البقاء بعد الفناء لا بنفسي كماقال عليه الصلاة والسلام : «لا تكلني إلى نفسي طرفة عين»، أو عزّا وقوة قهرية بك ، أقوي بها دينك وأظهره على الأديان كلها.
[٨١ ، ٨٢] (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢))
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) أي : الوجود الثابت الواجب الحقاني الذي لا يتغير ولا يتبدّل (وَزَهَقَ الْباطِلُ) أي : الوجود البشري الإمكاني القابل للفناء والتغير والزوال (إِنَّ الْباطِلَ) أي : الوجود الممكن (كانَ) فانيا في الأصل لا شيئا ثابتا طرأ عليه الفناء ففنى ، بل الفاني فان في الأزل والباقي باق لم يزل ، وإنما احتجبنا بتوهم فاسد باطل فكشف (وَنُنَزِّلُ مِنَ)