العقل القرآني الجامع بالتدريج نجوم تفاصيل العقل الفرقاني نجما فنجما على الوجود الحقاني على حسب ظهور الصفات أي : نفصل ما في ذاتك مجملا مكنونا تفصيلا بارزا ظاهرا عليك ليكون شفاء لأمراض قلوب المستعدّين المؤمنين بالغيب من أمّتك كالجهل والشك والنفاق وعمى القلب والغلّ والحقد والحسد وأمثالها فنزكيهم ورحمة تفيدهم الكمالات والفضائل وتحليهم بالحكم والمعارف (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ) الناقصين استعدادهم بالرذائل والحجب الظلمانية الباخسين حظوظهم من الكمال بالهيئات البدنية والصفات النفسانية (إِلَّا خَساراً) بزيادة ظهور أنفسهم بصفاتها كالإنكار والعناد والمكابرة واللجاج والرياء والنفاق منضمة إلى ما لهم من الشك والجهل والعمى والعمه.
[٨٣] (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣))
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بنعمة ظاهرة (أَعْرَضَ) لوقوفه مع النفس والبدن وكون القوى البدنية متناهية لا تتدبر الأمور الغير المتناهية الممكنة الوقوع من سبب النعمة وردّها عند عدمها وسائر الغير ولا يرى إلا العاجل ، وتكبر لاستعلاء نفسه على القلب وظهوره بأنانيته وتفرعنه فنأى ، أي : بعد عن الحق في جانب النفس وطوى جنبه معرضا وكذا في جانب الشرّ إذا مسّه يئس لاحتجابه عن القادر وقدرته ولو نظر بعين البصيرة شاهد قدرة الله تعالى في كلتا الحالتين وتيقن في الحالة الأولى أن الشكر رباط النعم ، وفي الثانية أن الصبر دفّاع النقم ، فشكر وصبر وعلم أن المنعم قدر فلم يعرض عند النعمة بطرا وأشرا خائفا زوالها ، غير غافل عن المنعم ، ولم ييأس عند النقمة جزعا وضجرا راجيا كشفها ، مراعيا لجانب المبلي.
[٨٤] (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي : خليقته وملكته الغالبة عليه من مقامه فمن كان مقامه النفس وشاكلته مقتضى طباعها عمل ما ذكرنا من الإعراض واليأس ومن كان مقامه القلب وشاكلته السجيّة الفاضلة عمل بمقتضاها الشكر والصبر (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) من العاملين عامل الخير بمقتضى سجيّة القلب وعامل الشرّ بمقتضى طبيعة النفس فيجازيهما بحسب أعمالهما.
[٨٥] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥))
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي : ليس من عالم الخلق حتى يمكن تعريفه للظاهرين البدنيين الذين لا يتجاوز إدراكهم عن الحسّ والمحسوس بالتشبيه ببعض ما شعروا به والتوصيف بل من عالم الأمر ، أي : الإبداع الذي هو عالم الذوات المجرّدة عن الهيولى والجواهر المقدّسة عن الشكل واللون والجهة والأين ، فلا يمكنكم إدراكه أيها