كجبريل من بين الملائكة في قوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) (١).
والألفات الثلاثة المحتجبة التي هي تتمة الاثنين والعشرين عند الانفصال إشارة إلى العالم الإلهيّ الحقّ ، باعتبار الذات ، والصفات ، والأفعال. فهي ثلاثة عوالم عند التفصيل ، وعالم واحد عند التحقيق ، والثلاثة المكتوبة إشارة إلى ظهور تلك العوالم على المظهر الأعظميّ الإنسانيّ ولاحتجاب العالم الإلهي.
حين سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ألف الباء من أين ذهبت؟ قال صلىاللهعليهوسلم : «سرقها الشيطان». وأمر بتطويل باء بسم الله تعويضا عن ألفها إشارة إلى احتجاب ألوهية الإلهية في صورة الرحمة الانتشارية وظهورها في الصورة الإنسانية بحيث لا يعرفها إلا أهلها ، ولهذا نكرت في الوضع.
وقد ورد في الحديث : «إنّ الله تعالى خلق آدم على صورته» ، فالذات محجوبة بالصفات ، والصفات بالأفعال ، والأفعال بالأكوان والآثار. فمن تجلّت عليه الأفعال بارتفاع حجب الأكوان توكل ، ومن تجلّت عليه الصفات بارتفاع حجب الأفعال رضي وسلّم. ومن تجلّت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فني في الوحدة فصار موحدا مطلقا فاعلا ما فعل وقارئا ما قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فتوحيد الأفعال مقدّم على توحيد الصفات وهو على توحيد الذات وإلى الثلاثة أشار صلوات الله عليه في سجوده بقوله : «أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك».
[٢ ـ ٥] (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى آخر السورة ، الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكمالات وحصول الغايات من الأشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه. فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها ، وتوجهها إلى غاياتها ، وإخراج كمالاتها من حيز القوّة إلى الفعل ، مسبحة ، حامدة ، كما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (٢) ، فتسبيحها إياه تنزيهه عن الشريك وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحده ، ودلالتها على وحدانيته وقدرته ، وتحميدها إظهار كمالاتها المترتبة ، ومظهريتها لتلك الصفات الجلالية والجمالية.
وخصّ بذاته بحسب مبدئيته للكل ، وحافظيته ومدبريته له التي هي معنى الربوبية للعالمين ، أي لكلّ ما هو علم لله يعلم به كالخاتم لما يختم به ، والقالب لما يقلب فيه ، وجمع جمع السلامة لاشتماله على معنى العلم أو للتغليب ، وبإزاء أفاضلة الخير العامّ
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٩٨.
(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٤٤.