[٢٠ ـ ٢١] (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١))
(وَتَفَقَّدَ) حال طير القوى الروحانية ففقد هدهد القوة المفكرة لأن القوة المفكرة إذا كانت في طاعة الوهم كانت متخيلة والمفكرة غائبة بل معدومة ، ولا تكون مفكرة إلا إذا كانت مطيعة للعقل (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) بالرياضة القوية ومنعها عن طاعة الوهمية وتطويعها للعاقلة (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بالإماتة (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أو تصير مطواعة للعقل لصفاء جوهرها ونورية ذاتها فتأتي بالحجة البينة في حركتها.
[٢٢] (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢))
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي : لم يطل زمان رياضتها لقدسيتها وما احتاجت إلى الإماتة لطهارتها حتى رجعت بسلطان مبين ، وتمرّنت في تركيب الحجج على أصح المناهج (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) من أحوال مدينة البدن وإدراك الجزئيات وتركيبها مع الكليات ، فإن القلب لا يدرك بذاته إلا بالكليات ولا يضمها إلى الجزئيات في تركيب القياس ، واستنتاج واستنباط الرأي إلا الفكر وبواسطته يحيط بأحوال العالمين ويجمع بين خيرات الدارين (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) مدينة الجسد (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) عيانيّ مشاهد بالحسّ.
[٢٣] (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣))
(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) هي الروح الحيوانية ، المسمّاة باصطلاح القوم : النفس (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) من الأسباب التي يدبرها البدن ويتم بها تملكه (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) هو الطبيعة البدنية التي هي متكؤها بهيئة ارتفاعها من طبائع البسائط العنصرية التي هي المزاج المعتدل ، أو تؤوّل مدينة سبأ بالعالم الجسماني ، والعرش بالبدن.
[٢٤] (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤))
(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ) لشمس عقل المعاش المحجوب عن الحق بانقيادها له وإذعانها لحكمه دون الانقياد لحكم الروح والانخراط في سلك التوحيد ، والإذعان لأمر الحق وطاعته (وَزَيَّنَ لَهُمُ) شيطان الوهم (أَعْمالَهُمْ) من تحصيل الشهوات واللذات البدنية والكمالات الجسمانية (فَصَدَّهُمْ عَنِ) سبيل الحق وسلوك طريق الفضيلة بالعدل (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) إلى التوحيد والصراط المستقيم.
[٢٥] (أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥))