(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) أي : فصدّهم عن السبيل لئلا ينقادوا ويذعنوا في إخراج كمالاتهم إلى العقل (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) أي : المخبوء من الكمالات الممكنة في سموات الأرواح وأرض الجسم (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ) مما فيهم بالقوة من الكمالات بالأعمال الحاجبة والمانعة لخروج ما في الاستعداد إلى العقل (وَما تُعْلِنُونَ) من الهيئات المظلمة والأخلاق المردية.
[٢٦ ـ ٢٧] (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧))
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فلا يجوز التعبّد والانقياد إلا له (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) المحيط بكل شيء ، فما أصغر عرش بلقيس النفس في جنب عظمته ، فكيف لا تطيعه وتحتجب بمحبة عرشها عن طاعته (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) في تضليلهم والإحاطة بأحوالهم بالطريق العقلي (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) بموافقة الوهم وتركيب التخيلات الفاسدة.
[٢٨ ـ ٣٠] (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠))
(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا) أي : الحكمة العملية والشريعة الإلهية (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) أيقبلون الطاعة والانقياد أم يأبون (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) لصدوره من القلب بواسطة الفكر إلى النفس (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي : باسم الذات الموصوفة بإفاضة الاستعداد وما يخرج به ما فيه إلى العقل من الآلات وإفاضة الكمال المناسب له من الأخلاق والصفات.
[٣١ ـ ٣٤] (أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤))
(أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) ألا تغلبوا ولا تستعلوا (وَأْتُونِي) منقادين مستسلمين. وقولها : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي) إلى آخره ، إشارة إلى قابلية النفس ونجابة جوهرها ومخالفتها لأمر قواها في الاستعلاء والغرور بهيئة الشوكة والاستيلاء ، وإن لم يمكنها القبول إلا بمظاهرتهم ومشاورتهم. وإفساد القرية وإذلال أعزّتها إشارة إلى منعها عن الحظوظ واللذات ، وقمع ما يغلب ويستولي على القوى بالرياضات.
[٣٥ ـ ٣٦] (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦))