(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) من أموال المدركات الحسيّة والشهوات النفسية ، واللذات الوهمية والخيالية ، وإمداد المواد الهيولانية بتزيينها عليهم وتسويلها لهم على أيدي الهواجس والدواعي والبواعث (فَناظِرَةٌ) هل يقبلها فيلين ويميل إلى النفس أو يردّها فيتصلب في الميل إلى الحق (فَما آتانِيَ اللهُ) من المعارف اليقينية والحقائق القدسية واللذات العقلية والمشاهدات النورية (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) من المزخرفات الحسيّة والخيالية والوهمية (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) لا نحن ، وإنما فرحنا بما هو من عند الله لا بما ذكر.
[٣٧ ـ ٤٠] (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠))
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) خطاب للمتخيل المرسل العارض للهدايا عليهم بالتسويل (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ) من القوى الروحانية وأمداد الأنوار الإلهية (لا) طاقة (لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) بالقهر والاستيلاء والقمع (أَذِلَّةً وَهُمْ) أذلاء بالطبع والرتبة لدنوّ مرتبتهم في الأصل والطينة وتنويرها بالآداب (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي : قبل قرب النفس وقواها بالأخلاق والطاعة ، فإن تسخير القوى الطبيعية بالأعمال والآداب أسهل وأقرب من تسخير النفس الحيوانية وقواها بالأخلاق والملكات. والعفريت هو الوهم لأنه يسخرها بالخوف والرجاء ويبعثها على الأعمال بالدواعي الوهمية والأماني الموافقة.
(قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي : ما دمت في مقام الصدر قبل الترقي إلى مقام السرّ ، فإنّ الوهم حينئذ ينعزل عن فعله بالهداية والمشايعة. والذي عنده علم من الكتاب هو العقل العملي الذي عنده بعض العلم وهو الحكمة العملية والشريعة من كتاب اللوح المحفوظ يسخرها ويقرّبها ويبعثها على الطاعات بتحبيب الكمال وحصول الشرف والذكر الجميل والكرامة إليها (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أي : نظرك إلى ذاتك وما ينبغي لها من الترقي إلى عالمك في عالم القدس لإدراك الحقائق والمعارف الكلية ، والمشاهدات الحقّة العينية ، فإنّ الكمال العمليّ مقدّم على الكمال الذوقيّ والكشفيّ (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) ثابتا على حالة اتصاله به ، متمرّنا في الطاعة غير متغير بالدواعي الشهوانية والنوازع الشيطانية (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ) بالطاعة والعمل بالشريعة (أَمْ أَكْفُرُ) بالمعصية ومخالفة الشريعة ، أو أشكر عند التوفيق للطاعة بالسلوك في الطريقة والإقبال على الحضرة ، وتبديل الصفات ،